الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              ذكر من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى من ذكرت في السموات

              719 - حدثنا الربيع بن سليمان المرادي ، قال: حدثنا ابن وهب ، عن سليمان بن بلال ، عن شريك بن أبي نمر ، قال: سمعت أنس بن مالك ، يحدثنا عن [ ص: 415 ] ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد الكعبة أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحي إليه وهو نائم في المسجد الحرام ، فقال أولهم: أيهم هو؟ وقال أوسطهم: هو خيرهم، فقال آخرهم: خذوا خيرهم، وكانت تلك، فلم يرهم حتى جاءوا ليلة أخرى، فيما يرى، ثلاثة، والنبي صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه،  وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم، فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم، فتولاه منهم جبريل عليه السلام، فشق جبريل صلوات الله عليه بطنه من نحره إلى لبته، حتى فرج عن صدره وجوفه، فغسله من ماء زمزم حتى أنقى جوفه، ثم أتى بطست من ذهب فيه تور محشو إيمانا وحكمة، فحشي به صدره وجوفه ولغاديده، ثم أطبقه.

              [ ص: 416 ] ثم عرج به إلى السماء الدنيا، فضرب بابا من أبوابها، فناداه أهل السماء: من هذا؟ قال: هذا جبريل ، قالوا: من معك؟ قال: محمد صلى الله عليه وسلم، قالوا: أوقد بعث إليه؟ قال: نعم، قالوا: فمرحبا به وأهلا، يستبشر به أهل السماء ، لا يعلم أهل السماء بما يدبر الله في الأرض حتى يعلمهم، فوجد في السماء الدنيا آدم صلوات الله عليه، فقال له جبريل : هذا أبوك فسلم عليه، فرد عليه آدم، فقال: مرحبا بك وأهلا يا بني، فنعم الابن أنت، ثم مضى به إلى السماء الثانية، فإذا هو في السماء الثانية بنهرين يطردان، فقال: "ما هذان النهران يا جبريل ؟" ، فقال: هذا النيل والفرات عنصرهما، ثم مضى به في السماء الثانية، فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد، فذهب [ ص: 417 ] يشم ترابه فإذا هو مسك، قال: "يا جبريل ، ما هذا النهر؟" ، قال: هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك في الآخرة، ثم عرج به إلى السماء الثالثة، فقالت له الملائكة مثلما قالت له في الأولى: من هذا معك محمد ؟ قال: نعم، قالوا: أوقد بعث إليه؟ قال: قد بعث، قالوا: مرحبا به وأهلا، ثم عرج به إلى الرابعة، فقالوا مثل ذلك، ثم عرج إلى الخامسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السادسة، فقالوا له مثل ذلك، ثم عرج به إلى السابعة، فقالوا له مثل ذلك، وكل سماء فيها أنبياء قد سماهم أنس ، فوعيت منهم إدريس في الثانية، وهارون في الرابعة، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه وإبراهيم في السادسة، وموسى في السابعة، بفضل كلامه الله تبارك [ ص: 418 ] وتعالى، فقال موسى: لم أظن أن يرفع علي أحد.

              ثم علا به فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى الله إليه ما شاء، وأوحى الله إليه فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كل يوم وليلة.  

              ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه، فقال: يا محمد، ماذا عهد ربك؟ قال: "عهد إلي خمسين صلاة على أمتي كل يوم وليلة" ، قال: إن أمتك لا تستطيع ذلك، فارجع فليخفف عنك وعنهم، فالتفت إلى جبريل عليه السلام كأنه يستشيره في ذلك، فأشار أن نعم، إن شئت، فعلا به جبريل حتى أتى إلى الجبار وهو مكانه، فقال: "يا رب، خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا" ، فوضع عنه عشر صلوات، ثم رجع إلى موسى صلى الله عليه وسلم فاحتبسه، فلم يزل يردده موسى إلى ربه، حتى صارت إلى خمس صلوات، ثم احتبسه عند الخمس، فقال: [ ص: 419 ] يا محمد قد والله، راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه الخمس فضيعوه وتركوه، فأمتك أضعف أجسادا وقلوبا وأبصارا وأسماعا، فارجع فليخفف عنك ربك كل ذلك يلتفت إلى جبريل صلوات الله عليه ليشير عليه، فلا يكره ذلك جبريل فيرفعه عند الخمس، فقال: "يا رب، إن أمتي ضعاف أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم فخفف عنا" ، فقال الجبار، إن كان قاله: يا محمد، فقال: "لبيك وسعديك" ، فقال: إني لا يبدل القول لدي، هي كما كتب عليك في أم الكتاب، ولك بكل حسنة عشر أمثالها، وهي خمسون في أم الكتاب، وهي خمس عليك، فرجع إلى موسى، فقال: كيف فعلت؟ فقال: "خفف عني، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها" ، فقال: قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فتركوه، فارجع فليخفف عنك أيضا، قال: "يا موسى، قد والله استحييت من ربي مما أختلف إليه" ، قال: فاهبط باسم الله، فاستيقظ وهو في المسجد الحرام .


              [ ص: 420 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية