الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              ذكر من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى أرواح من ذكرت من الأنبياء ببيت المقدس، دون أجسامهم

              727 - حدثنا علي بن سهل ، قال: حدثنا حجاج يعني ابن محمد الأعور ، قال: حدثنا أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، عن أبي هريرة ، أو غيره شك أبو جعفر الرازي ، في قول الله تبارك وتعالى: [ ص: 434 ] سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ،  قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ميكال، فقال جبريل لميكال: إيتني بطست من ماء زمزم كيما أطهر قلبه، وأشرح له صدره، قال: فشق عنه بطنه فغسله ثلاث مرات، واختلف إليه ميكائيل بثلاث طساس من ماء زمزم، فشرح صدره ونزع ما كان فيه من غل، وملأه حلما وعلما وإيمانا ويقينا وإسلاما وختم بين كتفيه بخاتم النبوة، ثم أتاه بفرس فحمل عليه، كل خطوة منه منتهى بصره، أو أقصى بصره، قال: فسار وسار معه جبريل ، فأتى على قوم يزرعون في يوم ويحصدون في يوم، كلما حصدوا عاد كما كان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا جبريل ، ما هذا؟" ، قال: هؤلاء المجاهدون في سبيل الله، تضاعف لهم الحسنة بسبعمائة ضعف،  وما أنفقوا من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين، ثم أتى على قوم ترضخ رءوسهم بالصخر، كلما رضخت عادت كما كانت لا يفتر عنهم من ذلك شيء، فقال: "ما هؤلاء يا جبريل ؟" ، قال: هؤلاء الذين تتثاقل رءوسهم عن الصلاة المكتوبة، ثم أتى على قوم على أقبالهم رقاع، وعلى أدبارهم رقاع، يسرحون كما تسرح الإبل والنعم، ويأكلون الضريع والزقوم ورضف جهنم وحجارتها، قال: "ما هؤلاء يا جبريل ؟" ، قال: هؤلاء الذين لا يؤدون صدقات أموالهم، وما ظلمهم الله شيئا وما الله بظلام للعبيد، ثم أتى على قوم بين أيديهم لحم نضيج في قدر، ولحم آخر نيئ قذر [ ص: 435 ] خبيث، فجعلوا يأكلون من النيئ الخبيث ويدعون النضيج الطيب، فقال: "ما هؤلاء يا جبريل ؟" ، قال: هذا الرجل من أمتك تكون عنده المرأة الحلال الطيب، فيأتي امرأة خبيثة فيبيت عندها حتى يصبح، والمرأة تقوم من عند زوجها حلالا طيبا، فتأتي رجلا خبيثا فتبيت معه حتى تصبح.

              قال: ثم أتى على خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته، قال: "ما هذا يا جبريل ؟" ، قال: هذا مثل أقوام من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه، ثم تلا: ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله الآية، ثم أتى على رجل قد جمع حزمة حطب عظيمة لا يستطيع حملها وهو يزيد عليها، فقال: "ما هذا يا جبريل ؟" ، فقال: هذا الرجل من أمتك تكون عنده أمانات الناس، لا يقدر على أدائها وهو يزيد عليها، ويريد أن يحملها، ثم أتى على قوم تقرض ألسنتهم وشفاهم بمقاريض من حديد، كلما قرضت عادت كما كانت، لا يفتر عنهم من ذلك شيء، قال: "ما هؤلاء يا جبريل ؟" قال: هؤلاء خطباء أمتك خطباء الفتنة يقولون ما لا يفعلون، ثم أتى على حجر صغير يخرج منه ثور عظيم، فجعل الثور يريد أن يرجع من حيث خرج فلا يستطيع، فقال: "ما هذا يا جبريل ؟" ، قال: هذا الرجل يتكلم بالكلمة العظيمة، ثم يندم عليها فلا يستطيع أن يردها.

              ثم أتى على واد فوجد ريحا طيبة باردة وريح المسك، وسمع صوتا، فقال: "يا جبريل ما هذه الريح الطيبة الباردة، وهذه الرائحة التي كريح المسك، وما هذا الصوت؟" ، قال: هذا صوت الجنة، تقول: يا رب آتني ما وعدتني، فقد [ ص: 436 ] كثرت عرفي وإستبرقي وحريري وسندسي وعبقريي ولؤلؤي ومرجاني وفضتي وذهبي وأكوابي وصحافي وأباريقي، وفواكهي ونخلي ورماني ومائي ولبني وخمري، فآتني ما وعدتني، فقال: لك كل مسلم ومسلمة، ومؤمن ومؤمنة، ومن آمن بي وبرسلي وعمل صالحا، ولم يشرك بي، ولم يتخذ من دوني أندادا، ومن خشيني فهو آمن ومن سألني أعطيته، ومن أقرضني جزيته، ومن توكل علي كفيته، فإني أنا الله لا إله إلا أنا، لا أخلف الميعاد، وقد أفلح المؤمنون، وتبارك الله أحسن الخالقين، قالت: قد رضيت، قال: ثم أتى على واد فسمع صوتا منكرا ووجد ريحا منتنة، فقال: "ما هذه الريح يا جبريل ؟ وما هذا الصوت؟" ، قال: هذا صوت جهنم، تقول: يا رب آتني ما وعدتني فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري  وحميمي وضريعي وغساقي وعذابي، وقد بعد قعري، واشتد حري، فآتني ما وعدتني، قال: لك كل مشرك ومشركة، وكافر وكافرة، وكل خبيث وخبيثة، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب، قالت: قد رضيت، قال: ثم سار حتى أتى بيت المقدس فنزل فربط فرسه إلى صخرة، ثم دخل فصلى مع الملائكة، فلما قضيت الصلاة، قالوا: يا جبريل ، من هذا معك؟ قال: محمد ، قالوا: أوقد أرسل محمد ؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: ثم لقي أرواح الأنبياء فأثنوا على ربهم، فقال إبراهيم: الحمد لله الذي اتخذني خليلا وأعطاني ملكا عظيما، وجعلني أمة قانتا لله يؤتم بي، وأنقذني من النار، وجعلها علي بردا وسلاما، ثم إن موسى صلوات الله عليه أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي كلمني [ ص: 437 ] تكليما، وجعل هلاك آل فرعون ونجاة بني إسرائيل على يدي، وجعل من أمتي قوما يهدون بالحق وبه يعدلون، ثم إن داود أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي جعل لي ملكا عظيما، وعلمني الزبور، وألان لي الحديد، وسخر لي الجبال يسبحن والطير، وأعطاني الحكمة وفصل الخطاب، ثم إن سليمان أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي سخر لي الرياح، وسخر لي الشياطين يعملون لي ما شئت من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات، وعلمني منطق الطير، وأتاني من كل شيء فضلا، وسخر لي جنود الشياطين والإنس والطير، وفضلني على كثير من عباده المؤمنين، وأتاني ملكا عظيما لا ينبغي لأحد من بعدي، وجعل ملكي ملكا طيبا ليس علي فيه حساب، ثم إن عيسى أثنى على ربه، فقال: الحمد لله الذي جعلني كلمته، وجعل مثلي مثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له: كن فيكون، وعلمني الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وجعلني أخلق من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طائرا بإذنه، وجعلني أبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذنه، ورفعني وطهرني، وأعاذني وأمي من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان علينا سبيل، قال: ثم إن محمدا صلى الله عليه وسلم أثنى على ربه، فقال: " كلكم أثنى على ربه، وإني مثن على ربي، فقال: الحمد لله الذي أرسلني رحمة للعالمين وكافة للناس بشيرا ونذيرا، وأنزل علي الفرقان فيه تبيان لكل شيء، وجعل أمتي خير أمة أخرجت للناس، وجعل أمتي أمة وسطا، وجعل أمتي هم الأولين وهم الآخرين، وشرح لي صدري، ووضع عني وزري ورفع لي ذكري، وجعلني فاتحا وخاتما، فقال إبراهيم: بهذا فضلكم محمد صلى الله عليه وسلم ، [ ص: 438 ] قال أبو جعفر يعني الرازي: خاتم بالنبوة، وفاتح بالشفاعة يوم القيامة، ثم أتي بآنية ثلاثة مغطاة أفواهها، فأتي بإناء منها فيه ماء، فقيل: اشرب، فشرب منه يسيرا، ثم دفع إليه إناء آخر فيه لبن، فقيل: اشرب، فشرب منه حتى روي، ثم دفع إليه إناء آخر فيه خمر، فقيل له: اشرب، فقال: "لا أريده، قد رويت" ، فقال له جبريل عليه السلام: أما إنها ستحرم على أمتك، ولو شربت منها لم يتبعك من أمتك إلا قليل، قال: ثم صعد به إلى السماء، فاستفتح، فقيل: من هذا يا جبريل ؟ فقال: محمد ، فقالوا: أوقد أرسل؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، فدخل فإذا هو برجل تام الخلق لم ينقص من خلقه شيء كما ينقص من خلق الناس، على يمينه باب تخرج منه ريح طيبة، وعن شماله باب تخرج منه ريح خبيثة، إذا نظر إلى الباب الذي عن يمينه ضحك واستبشر، وإذا نظر إلى الباب الذي عن شماله بكى وحزن، فقلت: " يا جبريل : من هذا الشيخ التام الخلق الذي لم ينقص من خلقه شيء، وما هذان البابان؟ " قال: هذا أبوك آدم، وهذا الباب الذي عن يمينه باب الجنة، إذا نظر إلى من يدخله من ذريته ضحك واستبشر، والباب الذي عن شماله باب جهنم، إذا نظر إلى من يدخله من ذريته بكى وحزن، ثم صعد به جبريل إلى السماء الثانية، فاستفتح، فقيل: من هذا معك؟ قال: محمد رسول الله، فقالوا: أوقد أرسل محمد ؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فإذا هو بشابين، فقال: " يا جبريل: من هذان الشابان؟ "، قال: هذا عيسى ابن مريم، ويحيى بن زكريا ابنا الخالة، قال: فصعد به إلى السماء الثالثة، فاستفتح ، [ ص: 439 ] فقالوا: من هذا؟ قال: جبريل ، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد ، قالوا: أوقد أرسل؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فدخل فإذا هو برجل قد فضل على الناس في الحسن، قال: "من هذا يا جبريل ؟" قال: هذا أخوك يوسف ثم صعد به إلى السماء الرابعة، فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل ، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد ، قالوا: وقد أرسل؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فدخل فإذا هو برجل، قال: "من هذا يا جبريل ؟" ، قال: هذا إدريس، رفعه الله مكانا عليا ، ثم صعد به إلى السماء الخامسة، فاستفتح، فقالوا: من هذا؟ قال: جبريل ، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد ، قالوا: وقد أرسل؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، ثم دخل فإذا هو برجل جالس وحوله قوم يقص عليهم، قال: "من هذا يا جبريل ؟ ومن هؤلاء الذين حوله؟" ، قال: هذا هارون المحبب في قومه، وهؤلاء بنو إسرائيل، ثم صعد به إلى السماء السادسة فاستفتح، فقيل له: من هذا؟ قال: جبريل ، قالوا: ومن معك؟ قال: محمد ، قالوا: أوقد أرسل؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء فإذا هو برجل جالس، فجاوزه فبكى، فقال: "يا جبريل من هذا؟" ، قال: موسى، قال: "ما له يبكي؟" ، قال: يقول: تزعم بنو إسرائيل أني أكرم بني آدم على الله، وهذا رجل من بني آدم قد خلفني في دنياه وأنا في آخرتي، فلو أنه بنفسه لم أبال، ولكن مع كل نبي أمته، قال: ثم صعد به إلى السماء السابعة فاستفتح، فقيل له: من هذا؟ [ ص: 440 ] قال: جبريل ، قيل: ومن معك؟ قال: محمد ، قالوا: وقد أرسل؟ قال: نعم، قالوا: حياه الله من أخ ومن خليفة، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فدخل فإذا هو برجل أشمط جالسا عند باب الجنة على كرسي، وعنده قوم جلوس بيض الوجوه أمثال القراطيس، وقوم في ألوانهم شيء، فقام هؤلاء الذين في ألوانهم شيء فدخلوا نهرا فاغتسلوا فيه، فخرجوا قد خلص من ألوانهم شيء، ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء، ثم دخلوا نهرا آخر فاغتسلوا فيه، فخرجوا وقد خلص من ألوانهم شيء، فصارت مثل ألوان أصحابهم، فجاءوا فجلسوا إلى أصحابهم، فقال: " يا جبريل : من هذا الأشمط؟ ثم من هؤلاء البيض الوجوه؟ ومن هؤلاء الذين في ألوانهم شيء؟ وما هذه الأنهار التي دخلوا فجاءوا وقد صفت ألوانهم؟ "، قال: هذا أبوك إبراهيم صلوات الله عليه، أول من شمط على الأرض، وأما هؤلاء البيض الوجوه فقوم لم يلبسوا إيمانهم بظلم، وأما هؤلاء الذين في ألوانهم شيء، فقوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فتابوا فتاب الله عليهم، وأما الأنهار فأولها رحمة الله، والثاني نعمة الله، والثالث سقاهم ربهم شرابا طهورا، قال: ثم انتهى إلى السدرة، فقيل له: هذه السدرة ينتهي إليها كل أحد خلا من أمتك على سنتك، فإذا هي شجرة يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى، وهي شجرة يسير الراكب في ظلها سبعين عاما لا يقطعها، والورقة منها مغطية الأمة كلها، قال: فغشيها نور الخلاق وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجر ، قال: فكلمه عند ذلك فقال له: سل، فقال: " إنك اتخذت إبراهيم خليلا وأعطيته ملكا عظيما، وكلمت موسى تكليما، وأعطيت داود ملكا عظيما وألنت له الحديد وسخرت له الجبال، وأعطيت سليمان ملكا عظيما وسخرت له الجن والإنس والشياطين، وسخرت له الرياح وأعطيته ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وعلمت عيسى التوراة والإنجيل، وجعلته [ ص: 441 ] يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذنك، وأعذته وأمه من الشيطان الرجيم، فلم يكن للشيطان عليهما سبيل، فقال له ربه تبارك وتعالى: وقد اتخذتك حبيبا وخليلا، وهو مكتوب في التوراة حبيب الرحمن، وأرسلتك إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وشرحت لك صدرك ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، فلا أذكر إلا ذكرت معي، وجعلت أمتك خير أمة أخرجت للناس، وجعلت أمتك أمة وسطا، وجعلت أمتك هم الأولين وهم الآخرين، وجعلت أمتك لا تجوز لهم خطبة حتى يشهدوا أنك عبدي ورسولي، وجعلت من أمتك أقواما قلوبهم أناجيلهم، وجعلتك أول النبيين خلقا وآخرهم بعثا، وأولهم يقضى له، وأعطيتك سبعا من المثاني لم أعطها نبيا قبلك، وأعطيتك خواتيم سورة البقرة من كنز تحت عرشي، لم أعطها نبيا قبلك وأعطيتك الكوثر، وأعطيتك ثمانية أسهم: الإسلام، والهجرة، والجهاد، والصلاة، والصدقة، وصوم رمضان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجعلتك فاتحا وخاتما.

              فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " فضلني ربي بست:  أعطاني فواتح الكلام وخواتيمه، وجوامع الحديث، وأرسلني إلى الناس كافة بشيرا ونذيرا، وقذف في قلوب عدوي الرعب من مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وجعلت لي الأرض كلها طهورا ومسجدا ".

              قال: "وفرض عليه خمسين صلاة" ، فلما رجع إلى موسى، قال: بم أمرت يا محمد؟ قال: "بخمسين صلاة" ، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، فقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال: فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه فسأله التخفيف، فوضع عنه عشرا، ثم رجع إلى موسى، فقال: بكم أمرت؟ قال: "بأربعين" ، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم ، [ ص: 442 ] وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، فرجع إلى ربه فسأله التخفيف، فوضع عنه عشرا، فرجع إلى موسى، فقال: بكم أمرت؟ قال: "أمرت بثلاثين" ، فقال له موسى: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال: فرجع إلى ربه فسأله التخفيف فوضع عنه عشرا، فرجع إلى موسى، فقال: بكم أمرت؟ قال: "أمرت بعشرين" ، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال: فرجع فسأله التخفيف، فوضع عنه عشرا، فرجع إلى موسى، فقال: بكم أمرت؟ قال: "بعشر" ، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال: فرجع على حياء إلى ربه فسأله التخفيف، فوضع عنه خمسا، فرجع إلى موسى، فقال: بكم أمرت؟ قال: "أمرت بخمس" ، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك أضعف الأمم، وقد لقيت من بني إسرائيل شدة، قال: "قد رجعت إلى ربي حتى استحييت، فما أنا راجعا إليه" ، فقيل له: أما إنك كما صبرت نفسك على خمس صلوات، فإنهن يجزين عنك خمسين صلاة،  فإن كل حسنة بعشر أمثالها، قال: فرضي محمد صلى الله عليه وسلم كل الرضا، قال: وكان موسى أشدهم عليه حين مر به، وخيرهم له حين رجع إليه "


              [ ص: 443 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية