الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              725 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، قال: حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، وحدثنا الحسن بن يحيى ، قال: أخبرنا عبد الرزاق ، قال: أخبرنا معمر ، قال: أخبرني أبو هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، ولفظ الحديث، للحسن بن يحيى في قوله سبحانه: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله ، قال: حدثنا النبي صلى الله عليه وسلم عن ليلة أسري به،  فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: " أتيت بدابة هي أشبه الدواب بالبغل، له أذنان مضطربتان، وهو البراق وهو الذي كان تركبه الأنبياء قبلي، فركبته، فانطلق بي يضع يده عند منتهى بصره، فسمعت نداء عن يميني: يا محمد، على رسلك أسألك فمضيت ولم أعرج عليه، ثم سمعت نداء عن شمالي: على رسلك أسألك فمضيت ولم أعرج عليه، ثم استقبلت امرأة في الطريق، فرأيت عليها من كل زينة من زينة الدنيا، رافعة يدها تقول: يا محمد على رسلك أسألك، فمضيت ولم أعرج عليها، ثم [ ص: 428 ] أتيت بيت المقدس ، أو قال: المسجد الأقصى فنزلت عن الدابة فأوثقتها بالحلقة التي كانت الأنبياء توثق بها، ثم دخلت المسجد فصليت فيه، فقال لي جبريل : ماذا رأيت في وجهك؟ فقلت: سمعت نداء عن يميني أن يا محمد على رسلك أسألك، فمضيت ولم أعرج عليه "، قال: ذلك داعي اليهود، أما إنك لو وقفت عليه تهودت أمتك، قلت: "ثم سمعت نداء عن يساري أن يا محمد على رسلك أسألك، فمضيت ولم أعرج عليه" ، فقال: ذلك داعي النصارى، أما إنك لو وقفت عليه تنصرت أمتك، قلت: ثم استقبلتني امرأة عليها من كل زينة من زينة الدنيا، رافعة يدها تقول: على رسلك أسألك، فمضيت ولم أعرج عليها، قال: تلك الدنيا تزينت لك، أما إنك لو وقفت عليها لاخترت الدنيا على الآخرة، " ثم أتيت بإناءين أحدهما: فيه لبن، والآخر فيه خمر، فقال: اشرب أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، قال: أخذت الفطرة ".

              قال معمر: وأخبرني الزهري ، عن ابن المسيب أنه قيل له: "أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك" .

              قال أبو هارون ، في حديث أبي سعيد: " ثم جيء بالمعراج الذي تعرج فيه أرواح بني آدم، فإذا هو أحسن ما رأيت، ألم تر إلى الميت كيف يحد بصره إليه؟ فعرج بنا فيه حتى انتهينا إلى باب السماء الدنيا، فاستفتح جبريل ، فقيل له: من هذا؟ فقال: جبريل : قال: ومن معه؟ قال: محمد ، قال: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، ففتحوا وسلموا علي، وإذا ملك موكل يحرس السماء يقال له إسماعيل ، معه سبعون ألف ملك، مع كل ملك منهم مائة ألف ، [ ص: 429 ] ثم قرأ: وما يعلم جنود ربك إلا هو وإذا أنا برجل، كهيئته يوم خلقه الله، لم يتغير منه شيء، وإذا هو تعرض عليه أرواح ذريته، فإذا كان روح مؤمن، قال: روح طيبة وريح طيبة، اجعلوا كتابه في عليين، وإذا كان روح كافر، قال: روح خبيثة وريح خبيثة، اجعلوا كتابه في سجين، فقلت: "يا جبريل ، من هذا؟" ، قال: أبوك آدم فسلم علي ورحب بي، ودعا لي بخير، وقال: مرحبا بالنبي الصالح والولد الصالح، ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم مشافر كمشافر الإبل، وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم، ثم يجعل في أفواههم صخرا من نار، يخرج من أسافلهم، قلت يا جبريل : "من هؤلاء؟" ، قال: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا،  ثم نظرت فإذا أنا بقوم يحذى من جلودهم ويرد في أفواههم، ويقال: كلوا كما أكلتم، فإذا أكره ما خلق الله لهم ذلك، قلت: "من هؤلاء يا جبريل ؟" ، قال: هؤلاء الهمازون اللمازون الذين يأكلون من لحوم الناس ويقعون في أعراضهم بالسب، ثم نظرت فإذا أنا بقوم على مائدة عليها لحم مشوي كأحسن ما رأيت من اللحم، وإذا حولهم جيف، فجعلوا يميلون على الجيف يأكلون منها ويدعون ذلك اللحم، قلت: "من هؤلاء يا جبريل ؟" ، قال: هؤلاء الزناة، عمدوا إلى ما حرم الله عليهم وتركوا ما أحل الله لهم،  ثم نظرت فإذا أنا بقوم لهم بطون كأنها البيوت، وهي على سابلة آل فرعون، فإذا مر بهم آل فرعون ثاروا، فيميل بأحدهم بطنه فيقع فيتوطؤهم آل فرعون بأرجلهم، وهم يعرضون على النار غدوا وعشيا، قلت: "من هؤلاء يا جبريل ؟" ، قال: هؤلاء أكلة الربا، ربا في بطونهم، فمثلهم كمثل الذي يتخبطه الشيطان من المس، ثم نظرت فإذا أنا بنساء معلقات بثديهن، ونساء منكسات بأرجلهن، قلت: "من هؤلاء يا جبريل ؟" ، قال: هؤلاء اللائي يزنين ويقتلن أولادهن ، [ ص: 430 ] قال: ثم صعدنا إلى السماء الثانية، فإذا أنا بيوسف وحوله تبع من أمته ووجهه كالقمر ليلة البدر، فسلم علي ورحب بي، ثم مضينا إلى السماء الثالثة، فإذا أنا بابني الخالة يحيى وعيسى يشبه أحدهما صاحبه ثيابهما وشعرهما، فسلما علي ورحبا بي، ثم مضينا إلى السماء الرابعة، فإذا أنا بإدريس، فسلم علي ورحب بي، وقد قال الله تبارك وتعالى: ورفعناه مكانا عليا ، ثم مضينا إلى السماء الخامسة، فإذا بهارون المحبب في قومه، وحوله تبع كثير من أمته، فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم، "طويل اللحية تكاد لحيته تمس سرته" ، فسلم علي ورحب بي، ثم مضينا إلى السماء السادسة، فإذا أنا بموسى بن عمران، فوصفه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "رجل كثير الشعر، لو كان عليه قميصان خرج شعره منهما" ، وقال موسى: تزعم الناس أني أكرم الخلق على الله، فهذا أكرم على الله مني، ولو كان وحده لم أكن أبالي، ولكن كل نبي ومن تبعه من أمته، ثم مضينا إلى السماء السابعة، فإذا أنا بإبراهيم وهو جالس مسند ظهره إلى البيت المعمور، فسلم علي، وقال: مرحبا بالنبي الصالح والولد الصالح، فقيل لي: هذا مكانك ومكان أمتك، ثم تلا: إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ، ثم دخلت البيت المعمور فصليت فيه، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك،  لا يعودون إلى يوم القيامة، ثم نظرت فإذا أنا بشجرة إن كادت الورقة لمغطية هذه الأمة، فإذا في أصلها عين تجري قد تشعبت شعبتين، قلت: "ما هذا يا جبريل ؟" ، قال: أما [ ص: 431 ] هذا فهو نهر الرحمة، وأما هذا فهو الكوثر الذي أعطاكه الله، فاغتسلت في نهر الرحمة، فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر، ثم أخذت على الكوثر حتى دخلت الجنة، فإذا فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإذا فيها رمان كأنه جلود الإبل المقببة، وإذا فيها طير كأنها البخت "، فقال أبو بكر: إن تلك الطير لناعمة، قال: " آكلها أنعم منها يا أبا بكر ، وإني لأرجو أن تأكل منها، قال: ورأيت فيها جارية فسألتها: "لمن أنت؟" ، فقالت: لزيد بن حارثة فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا، ثم إن الله تبارك وتعالى أمرني بأمره، وفرض علي خمسين صلاة، فمررت على موسى، فقال: بم أمرك ربك؟ قلت: فرض علي خمسين صلاة، قال: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فإن أمتك لن يقوموا بهذا، فرجعت إلى ربي فسألته فوضع عني عشرا، ثم رجعت إلى موسى، فلم أزل أرجع إلى ربي إذا مررت بموسى، حتى فرض علي خمس صلوات، فقال موسى: ارجع إلى ربك فسله التخفيف، فقلت: " لقد رجعت إلى ربي حتى استحييت أو قال: قلت: ما أنا براجع "، فقيل لي: فإن لك بهذه الخمس صلوات خمسين صلاة، الحسنة بعشر أمثالها، ومن هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة،  ومن عملها كتبت عشرا، ومن هم بسيئة ثم لم يعملها، لم تكتب شيئا فإن عملها كتبت واحدة " .

              [ ص: 432 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية