الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم في خبره عن جبريل عليه السلام، عن الجنة أنها تقول: رب آتني ما وعدتني، فقد كثرت عرفي وإستبرقي وأكوابي وصحافي،  فإن العرف، في كلام العرب، الرائحة من كل شيء، وقد يكون ذلك طيبا وغير طيب، وأما في هذا الموضع فإنه الرائحة الطيبة، ومن العرف قول الشاعر:

              أبصرت عيني عشاء ضوء نار من سناها عرف هندي وغار

              يعني بالعرف: الرائحة .

              [ ص: 467 ] وأما "الأكواب" ، فإنها جمع "كوب" ، والكوب: كل إناء لا عروة له، ومنه قول أعشى بني قيس بن ثعلبة:

              صريفية طيبا طعمها     لها زبد بين كوب ودن

              ومنه قول الله تبارك وتعالى: يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وأما قوله مخبرا عن قول، جهنم فقد كثر ضريعي وغساقي، فإن الضريع: نبت يسمى ما دام رطبا شبرقا، فإذا يبس سمي ضريعا، وهو فيما يقال سم، وأما الغساق، فإن فيه لغتين: التشديد في سينه، فإذا شدد كان صفة، من قولهم: غسق الشيء يغسق غسوقا، وذلك إذا سال، وقيل: إن ذلك هو ما يسيل من صديد أهل جهنم، فيجتمع في بعض حياضها، والتخفيف فيها، وإذا خففت كان اسما موضوعا لذلك، وقيل: إنه الشيء المنتن بلسان أهل بخارستان، وقيل: إنه الشيء الذي قد تناهت شدة برده، فلا شيء أبرد منه .

              [ ص: 468 ] وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: صليت لأصحابي صلاة العتمة  بمكة معتما، فإنه - يعني بالمعتم -، المبطئ، يقال منه: عتم فلان في هذا الأمر، إذا أبطأ فيه، ومنه قول رؤبة بن العجاج:

              سهل يلين بابه وخدمه     لذي غنى أو لضعيف يرحمه

              لا يقطع الرفد ولا يعتمه يعني بقوله: ولا يعتمه: لا يبطئ بالرفد

              وأما قوله: "فشربت حتى قدعت به جبيني"  ، فإنه - يعني بقوله: "قدعت به" -: ضربت به، ودفعت به، وأصل القدع، الدفع والكف، ومنه قول رؤبة بن العجاج:

              أقدعه عني لجام يلجمه     وعض مضاغ مجد معذمه
              يدق أعناق الأسود فرصمه

              .

              [ ص: 469 ] ومنه أيضا قول الطرماح بن حكيم:

              إذا ما رآنا شد للقوم صوته     وإلا فمدخول الخباء قدوع



              وأما قول أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم: " لقد التمستك في مظانك، فإنه - يعني بالمظان: المواضع التي يظن أنه يكون بها، واحدتها: مظنة -

              التالي السابق


              الخدمات العلمية