الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              فإن قال قائل: فإنا لا نزعم أن العمل من الإيمان، فنجعله من شرائطه التي لا يستحق المؤمن أن يسمى مؤمنا إلا بها،  قيل له: إن كان من القائلين أن الإيمان قول، ولا سلم لك أن القول من الإيمان، فيجعله من شرائطه التي لا يستحق أن يسمى المؤمن مؤمنا إلا بها، فإن قال: إن ذلك وإن كان كذلك، فإن العرب لا تعرف في منطقها الإيمان إلا التصديق، واستشهد لقيله ذلك بقول الله تعالى ذكره، مخبرا عن قول إخوة يوسف لأبيهم يعقوب صلوات الله عليهم: وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين وما أشبه ذلك من الشواهد، قيل له: فإن كان التصديق هو الإيمان، أفرأيتم إن صدق وهو غير عارف بحقيقة صحة ما صدق، أمؤمن هو بالإطلاق؟ فإن قال: نعم، أوجب اسم الإيمان لكل من لا يعرف ربه بقلبه، ولكل من اعتقد بقلبه أن الله ثالث ثلاثة بالإطلاق على الحقيقة، وذلك خلاف نص حكم الله في خلقه. وذلك أن الله تبارك وتعالى سمى من قال بلسانه مثل قول المؤمنين بألسنتهم، وهو معتقد بقلبه خلافه منافقا، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: [ ص: 687 ] إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون فكذبهم الله جل ثناؤه في دعواهم ما ادعوا أنهم يشهدون، إذ كانت قلوبهم منطوية على خلاف ما أبدته ألسنتهم، وإن قال: بل هو غير مؤمن حتى يصدق بالقول ما هو معتقد حقيقة بقلبه، قيل: فقد تركت قولك: إن الإيمان هو التصديق بالقول، والإقرار باللسان، وخالفت ما ادعيت في قول الله تعالى ذكره: وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين من التأويل، وقيل له: فإذا كان التصديق بالقلب ومعرفة الرب به من الإيمان الذي لا يستحق أحد عندك اسم الإيمان إلا بإتيانه بهما، والمعرفة لا شك أنها من معنى الإقرار باللسان بمعزل فما أنكرت أن يكون العمل بسائر الجوارح الذي هو لله طاعة من معاني الإيمان التي لا يستحق أحد التسمية بأنه مؤمن إلا بإتيانه به، مع التصديق باللسان، والمعرفة بالقلب، وهل بينك وبين من قال: إنما الإيمان الإقرار باللسان، والعمل بالجوارح، دون المعرفة بالقلب، أو قال: إنه العمل بالجوارح والمعرفة بالقلب، دون الإقرار باللسان فرق؟ فلن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله.

              وأما الذين قالوا: إن الإقرار والعمل هو الإيمان دون المعرفة بالقلب، والذين قالوا: إن المعرفة بالقلب هي الإيمان دون الإقرار باللسان والعمل بالجوارح، والذين قالوا: إن الإيمان هو الإقرار دون المعرفة والعمل، فإن [ ص: 688 ] للبيان عن خطأ قولهم كتابا يفرد إن شاء الله، إذ كان كتابنا هذا مخصوصا بالبيان عن آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم على مذاهب السلف من أهل النقل دون أقوال أهل الجدل، وكانت هذه المذاهب الثلاثة الأخر من مذاهب أهل الجدل .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية