الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              ( القول في البيان عن معاني هذه الأخبار )

              إن قال لنا قائل : ما معنى هذه الأخبار التي رويتها عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ؟ وكيف يصل العبد ربه إذا هو وصل رحمه ؟ أم كيف يقطعه إذا هو قطعها ؟ وكيف يكون العبد قاطعا رحمه ؟ وكيف يكون لها واصلا ؟ .

              قيل : أما وصل الله - تعالى ذكره - عبده ; فإنه يعطفه عليه بفضله : إما في عاجل دنياه وآجل آخرته - إن كان من أهل الإيمان به والطاعة له - [ ص: 141 ] وإما في آجل آخرته دون عاجل دنياه ، كالذي روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فيما مضى من كتابنا هذا ، أنه قال : " من سره أن ينسأ في أجله ، ويوسع عليه في رزقه ، فليصل رحمه "  وأنه قال : " إن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة للمال ، منسأة في الأثر " .

              وإن كان من أهل الكفر به ، والمعصية له ، ففي عاجل دنياه ; [ ص: 142 ] كالذي روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فيما مضى من كتابنا هذا أنه قال : " إن الله تبارك وتعالى ليعمر بالقوم الديار ، ويكثر لهم في الأموال ، وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضا لهم .

              قيل : وكيف ذاك يا رسول الله ؟ ! قال : بصلتهم أرحامهم " .


              وأنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال : " إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم ،  حتى إن أهل البيت ليكونون فجارا : تنمى أموالهم ، ويكثر عددهم إذا وصلوا الرحم " .

              [ ص: 143 ] فإن قال : وما هذا الذي وصفت من معنى الوصل ، وقد علمت أن الوصل في كلام العرب إنما هو وصل شيء بشيء ، كالحبل يوصل بآخر ، ونحو ذلك .

              والإيصال من الله - عز ذكره - على عبده بما ذكرت - بعيد الشبه من وصل الحبل بالحبل ، والسبب بالسبب ؟ قيل : إن العرب لا تمتنع أن تقول : إذا تفضل رجل على آخر بمال ، فأعطاه أو وهب له هبة : وصل فلان فلانا بكذا - يعني بذلك : وهبه له وأعطاه .

              وتسمى تلك العطية صلة .

              فتقول : وصلت إلى فلان صلة فلان .

              وكذلك معنى قول الله تعالى ذكره في الرحم : " من وصلها وصلته " إنما معناه وصلته بفضلي ونعمي تعطفا مني بذلك عليه .

              وأما صلة العبد رحمه ، فشبيهة المعنى بما ذكرت : من تعطفه على ذوي أرحامه من قبل أبيه أو أمه بنوافل فضله .

              ومما يبين صحة ما قلنا في ذلك ما :

              التالي السابق


              الخدمات العلمية