( القول في البيان عن معاني هذه الأخبار )
إن قال لنا قائل : ما معنى هذه الأخبار التي رويتها عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ؟ وكيف يصل العبد ربه إذا هو وصل رحمه ؟ أم كيف يقطعه إذا هو قطعها ؟ وكيف يكون العبد قاطعا رحمه ؟ وكيف يكون لها واصلا ؟ .
قيل : أما وصل الله - تعالى ذكره - عبده ; فإنه يعطفه عليه بفضله : إما في عاجل دنياه وآجل آخرته - إن كان من أهل الإيمان به والطاعة له - [ ص: 141 ] وإما في آجل آخرته دون عاجل دنياه ، كالذي روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فيما مضى من كتابنا هذا ، أنه قال : من سره أن ينسأ في أجله ، ويوسع عليه في رزقه ، فليصل رحمه " وأنه قال : " " إن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة للمال ، منسأة في الأثر " .
وإن كان من أهل الكفر به ، والمعصية له ، ففي عاجل دنياه ; [ ص: 142 ] كالذي روينا عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فيما مضى من كتابنا هذا أنه قال :
قيل : وكيف ذاك يا رسول الله ؟ ! قال : بصلتهم أرحامهم " . " إن الله تبارك وتعالى ليعمر بالقوم الديار ، ويكثر لهم في الأموال ، وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضا لهم .
وأنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال : حتى إن أهل البيت ليكونون فجارا : تنمى أموالهم ، ويكثر عددهم إذا وصلوا الرحم " . " إن أعجل الطاعة ثوابا صلة الرحم ،
[ ص: 143 ] فإن قال : وما هذا الذي وصفت من معنى الوصل ، وقد علمت أن الوصل في كلام العرب إنما هو وصل شيء بشيء ، كالحبل يوصل بآخر ، ونحو ذلك .
والإيصال من الله - عز ذكره - على عبده بما ذكرت - بعيد الشبه من وصل الحبل بالحبل ، والسبب بالسبب ؟ قيل : إن العرب لا تمتنع أن تقول : إذا تفضل رجل على آخر بمال ، فأعطاه أو وهب له هبة : وصل فلان فلانا بكذا - يعني بذلك : وهبه له وأعطاه .
وتسمى تلك العطية صلة .
فتقول : وصلت إلى فلان صلة فلان .
وكذلك معنى قول الله تعالى ذكره في الرحم : إنما معناه وصلته بفضلي ونعمي تعطفا مني بذلك عليه . " من وصلها وصلته "
وأما صلة العبد رحمه ، فشبيهة المعنى بما ذكرت : من تعطفه على ذوي أرحامه من قبل أبيه أو أمه بنوافل فضله .
ومما يبين صحة ما قلنا في ذلك ما :