الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              387 - وحدثنا المقدمي ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن أبي عمران الجوني ، قال : " كان أصحاب ابن مسعود في الصلاة يتشهدون ، ثم يدعون بعد التشهد بدعوات خفاف ، ثم ينصرفون " .  

              وبعد : فإن لاختلاف بين السلف من أهل العلم في انقضاء صلاة المصلي ، وتمامها إنما كان على أقوال أربعة لا خامس لهن ، حتى حدث الذي وصفت مقالته ، المعترض قول أمة محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بالتخطئة ، الزاعم أن صلاة كل من صلى قبل إحداثه القول الذي قاله : كانت فاسدة ، إلا أن يكون صلاها على ما حكينا عنه من قوله فأحد الأقوال الأربعة - التي ذكرنا أنه لا خامس لهن - قول من قال : إذا رفع المصلي رأسه من السجود من آخر ركعة من صلاته ، فقد تمت صلاته تشهد أو لم يتشهد جلس قدر التشهد أو لم يجلس! سلم أو لم يسلم .

              والقول الآخر : قول من قال : لا تتم صلاة المصلي إذا رفع رأسه من آخر سجدة من آخر ركعة منها ، حتى يتشهد أو يقعد قدر التشهد ، وإن لم يتشهد .

              فإذا فعل ذلك ، فقد تمت صلاته سلم أو لم يسلم .

              والقول الثالث : قول من قال : لا تتم صلاة المصلي حتى يتشهد في آخر ركعة منها ، فإذا تشهد تمت حينئذ صلاته ، سلم أو لم يسلم .

              والقول الرابع : قول من قال : لا تتم صلاة المصلي ، حتى يتشهد ، ويسلم ، فإذا سلم تمت صلاته .

              [ ص: 242 ] فمن ادعى قولا خامسا ، فزعم أن صلاة لا تتم إلا أن يتشهد في آخر ركعة منها ، بعد ما يرفع رأسه من آخر سجدة منها ، ويصلي على النبي محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ويسلم سئل البرهان على قوله من أصل أو نظير .

              ويقال له : هل بينك وبين آخر اجترأ جرأتكم على خلاف الأمة ، فزعم أن صلاة المصلي لا تتم إلا أن يصلي بعد التشهد في آخر ركعة منها على نوح أو على إبراهيم، وإسحاق ، ويعقوب ، أو غيرهم من أنبياء الله ورسله صلوات الله عليهم ، وأنه إن لم يفعل ذلك لم يكن له صلاة ، وأن صلاته إذا صلى عليهم ماضية جائزة ، وإن لم يصل على محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فرق من أصل أو نظير .

              فإن زعم أن الفرق بينه وبينه ، أن الله - تعالى ذكره - أمر بالسلام على محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بقوله : وسلموا تسليما .

              وقد أجمعوا أن ذلك تسليم على محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في التشهد دون سائر الأنبياء غيره ، فكذلك الصلاة صلاة عليه دون غيره من الأنبياء والرسل .

              قيل : وما البرهان على صحة ما قلت من أن ذلك أمر بالتسليم على محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - دون أن يكون أمرا بالتسليم على سائر الأنبياء ، إذ كان النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قد علم أمته من التسليم عليهم في التشهد  بقوله : " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " مثل الذي علمهم فيه من السلام عليه بقوله : " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته " .

              فإن قال : إن الأمر - وإن كان كذلك - فقد صحت الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه إذ قيل له : " قد علمنا كيف السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك ؟ " قال لهم : " قولوا : اللهم صل على محمد " الكلمات التي قد ذكرناها ، فعلمنا بذلك أنه المعني بقوله : يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه .

              قيل له : فما تنكر أن يكون - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أجاب الذين سألوه [ ص: 243 ] عن صفة الصلاة عليه بما ذكرت ، ولم يذكر لهم صفة الصلاة على سائر الأنبياء غيره ، لعلمه بأنهم قد علموا ذلك أو لأنهم لم يسألوه عنها .

              وبعد : فلو سوغناك ذلك ، وقلنا : القول ما قلت في تأويل الآية : ما كانت حجتك على أن ذلك أمر من الله - تعالى ذكره - عباده بالصلاة عليه ، بعد التشهد في آخر ركعة من صلاة المصلي ، دون أن يكون أمرا بالصلاة عليه في كل أحوال العبد ؟ أو أمرا بالصلاة عليه بعد الفراغ من القراءة في الركعة الأولى قبل الركوع ، وغير ذلك من أعمال الصلاة ؟ .

              وإن زعم أنه علم أن قوله : يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما .

              أمر من الله - جل ثناؤه - عباده المؤمنين بالصلاة على محمد دون سائر الأنبياء غيره ; لأن الله - تعالى ذكره - إنما ذكر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وحده بقوله : إن الله وملائكته يصلون على النبي .

              فعلم بذلك أنه إنما عنى به نبي الذين خاطبهم بقوله : يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه قيل له : ما تنكر أن يكون إنما خرج ذلك بلفظ الواحد ، والمراد به جميع الأنبياء .

              كما قيل : والعصر إن الإنسان لفي خسر .

              فأخرج الإنسان بلفظ الواحد ، والمراد به جميع الناس .

              فإن قال : ومن أين يعلم أن ذلك كذلك ؟ قيل : نعلم ذلك بقوله : إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات : إذ استثنى الذين آمنوا ، وعملوا الصالحات منهم ، وهم جميع .

              فلم يستثن الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم إلا وقد دخل في قوله : إن الإنسان لفي خسر : كل إنسان .

              فلذلك جاز استثناؤهم منهم .

              وكما قال : يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ، فلن يقول في شيء مما عارضناه به قولا ، إلا ألزم في خلافه مثله .

              [ ص: 244 ] فإن قال : فاذكر لنا الرواية عمن ذكرت أقواله ممن قلت : إن صاحب القول الذي حكيت قوله ، تلقى قولهم بالنكير ، وخرج تنكيره ما نكر من قولهم ، فيما وصفت من قول الجميع من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم من الخالفين ، ليعلم بذلك حقيقة ما وصفت قبل ، نذكر من ذلك ما حضرنا ذكره إن شاء الله :

              التالي السابق


              الخدمات العلمية