الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              قالوا: فهذه أخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقات نقلتها، صحيح سندها، عدول رواتها، تقوم الحجة -فيما لا يدرك علمه إلا من جهة الخبر -بدونها من الأخبار، وباستفاضة هي دون استفاضتها.

              قالوا: فإن قال لنا قائل: فما وجه قصر النبي صلى الله عليه وسلم إذا الصلاة، إن كان الأمر على ما وصفتم من أنه كان يقصرها في أسفاره آمنا غير خائف، وإنما أذن الله تعالى ذكره في كتابه بقصرها في حال الخوف دون حال الأمن، وذلك أنه قال [ ص: 237 ] جل ثناؤه: وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ، أتقولون ذلك من فعله لما في التنزيل نسخ، فقد علمتم إنكار من ينكر نسخ السنة القرآن، وإن كان لهم في ذلك مخالفون؟ أم تقولون: ذلك زيادة حكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحكام صلاة المسافر؟ فما برهانكم على ذلك، وقد علمتم خلاف من يخالفكم فيه من الأئمة؟ أم ما وجه ذلك؟ قلنا لهم: قد اختلف الأئمة قبلنا في ذلك.

              فقالت منهم طائفة -وهم الذين قالوا: فرض الصلاة في السفر ركعتان   -: لم يزل حكم الله جل ثناؤه في الواجب عن عدد الصلاة على المسافر -من لدن فرضها على خلقه -ركعتين، إلا ما كان من صلاة المغرب، فإنها ثلاث.

              فأما قوله تعالى: فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ، فإنه إذن من الله تعالى بالقصر عن حدودها التي أوجبها على الآمن في حال الطمأنينة، لا إذن في القصر عن عددها.

              وقد مضى ذكرنا قائلي هذه المقالة في كتابنا هذا قبل، فكرهنا تطويل الكتاب بإعادة ذكرهم في هذا الموضع.

              وقالت منهم طائفة أخرى: بل قصر الصلاة في السفر من أربع إلى اثنتين، رخصة من الله جل ذكره لعباده، وصدقة منه تصدق بها عليهم؛ تخفيفا منه عنهم، كما قال عمر رحمة الله عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكم من حكم قول الله عز وجل: فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ، [ ص: 238 ] بمعزل، وذلك أن الإذن من الله جل ثناؤه بقصر الصلاة في حال الخوف، إنما هو إذن منه بقصرها من اثنتين إلى واحدة، وأما الركعتان في غير حال الخوف، فتمام غير قصر

              التالي السابق


              الخدمات العلمية