الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              441 - وحدثنا محمد بن مقاتل الرازي ، قال : حدثنا محمد بن الحسن قال : حدثنا أبو حنيفة ، عن أبي سفيان ، عن أبي نضرة ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - : " الوضوء مفتاح الصلاة ، والتكبير تحريمها ، والتسليم تحليلها " .  

              فهذا ما في ذلك عن الصحابة والتابعين والسلف الصالح .

              وأما الخبر الذي روي عن أبي مسعود ، أنه قال : " لو صليت صلاة لم أصل فيها على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ظننت أن صلاتي لم تتم " .

              فإنه خبر مرسل ; وذلك أن أبا جعفر لم يدرك أبا مسعود ، ولا رآه ، ولو كان قد أدركه ، ورآه لم يجز لنا تصحيحه عنه ; إذ كان راويه جابر الجعفي ، وفي نقل جابر الجعفي ما فيه ، مما تقدم بياني بعضه ، ولو كان ذلك خبرا متصلا ، عن أبي مسعود ، وكان لا مطعن في إسناده لطاعن لم يكن فيه - أيضا - وفاق لقول من ذكرنا قوله ممن زعم أن صلاة من لم يصل على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بعد التشهد في صلاته حتى خرج منها ، فاسدة عليه الإعادة ; وذلك أن الذي حكي ، عن أبي مسعود في الخبر الذي ذكرنا عنه ، إنما هو أنه قال : " لو صليت صلاة لم أصل فيها على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ظننت أن صلاتي لم تتم " : ولم يقل كانت صلاتي فاسدة " .

              وقد يظن الظان الأمر ، ثم تكون حقيقته بخلاف ما ظن ، وهذا من ذلك .

              وبعد : فلو كان أبو مسعود ، قال : " لم تتم صلاتي " أو قال : " كانت صلاتي فاسدة " : كان القول في ذلك خلاف ما قال ; إذ كان منفردا بما قال من ذلك ، والخبر عن رسول الله - صلى الله عليه [ ص: 258 ] وسلم بخلافه ، والأمة مجمعة على غيره ، وكان عليه ، وعلى جميع الخلق : اتباع ما صح به الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ كان هو المتبوع ، لا التابع .

              فهذا هذا ، لو صح الخبر ، عن أبي مسعود ، بما روي عنه في ذلك ، وكيف وعزيز تصحيحه ؟ فإن قال لنا قائل : فهل ترى للمصلي أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في صلاته ؟ فإنك إن قلت : نعم قيل لك : ففي أي أثر أو خبر : وجدت أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ علم أمته الصلاة ، علمهم الصلاة عليه فيها ، وقد علمت أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لم يدع شيئا مما بأمته الحاجة إليه في أمر دينهم ، إلا وقد بينه لهم ، إما بنص ، وإما بدلالة .

              وإنما حجتك على من أنكرت قوله ممن أفسد صلاة المصلي بتركه الصلاة على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بعد التشهد في آخر صلاته أنه خالف بقوله ذلك : الأخبار المأثورة عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وما أجمعت عليه الأمة ، ورأته عن نبيها - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وفي إذنك للمصلي أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فيها ، وإن لم تفسدها بتركه ذلك : دخول في مثل الذي عبت على من أنكرت قوله ممن أفسدها بترك الصلاة عليه فيها .

              وإن قلت : لا .

              قيل لك : وما وجه حظرك ذلك ، وقد رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال - إذ علم أمته التشهد في الصلاة - :   " فإذا قلتموها ، فليتخير أحدكم من الدعاء ما أحب " ؟ والصلاة على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من أفضل الدعاء ؟ قيل له : إنا - وإن رأينا - أن من فاضل الأعمال : الصلاة على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - واخترناها على كثير من نوافل الفضل ، فإنا لا نحب لأحد أن يتقرب إلى الله - تعالى ذكره - في شيء من أعماله [ ص: 259 ] الصالحة إلا على الوجه الذي أمره بالتقرب بها إليه : إما في كتابه ، وإما على لسان رسوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ولم نجد في كتاب الله ، ولا في خبر صح عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمرا بالصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في شيء من صلاة المصلي ، ولا ندبا إليها ؟ بل الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - واردة بما قد ذكرنا قبل .

              وعمل الأمة وقولها موجود بما قد بينا! ولا نرى لأحد أن يزيد في صلاته المكتوبة والنافلة على ما علم نبي الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أمته من القول والعمل فيها .

              وأما قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ علم أمته التشهد في آخر الصلاة - : " فإذا قلتم ذلك ، فليتخير أحدكم من الدعاء ما شاء " : فإنه إنما قال : " فليتخير أحدكم من الدعاء لنفسه ما شاء " .

              كذلك ورد الخبر عنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - .

              غير أنا - وإن اخترنا - ما بينا من الدعاء والقول بعد التشهد ،  فلا نرى صلاة مصل فاسدة بصلاته على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في وسط صلاته ، وأولها وآخرها ، كما لا تفسد بدعائه فيها لنفسه ، ووالديه ، وغيرهما ; لما قد بينا قبل في أول كتابنا هذا ، أن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ندب إلى ذلك أمته ، وقال لهم : " إذا ركعتم فعظموا الرب ، وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء ، فإنه قمن أن يستجاب لكم " .

              وما أشبه ذلك من الأخبار التي قد مضى ذكرنا لها ، فأغنى ذلك عن إعادتها .

              فإن قال : فهل وجدت أحدا من سلف الأمة ندب إلى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في الصلاة ؟ .

              [ ص: 260 ] قيل : نعم وقليل عدد قائليه فإن قال : فاذكر لنا بعض قائليه لنعرفه ؟ قيل :

              التالي السابق


              الخدمات العلمية