الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              ( القول في البيان عما في هذا الخبر من الفقه )

              والذي فيه من ذلك: الدلالة على ألا حرج على المرء في القول في أمر دنياه، بما هو عنده حق - وإن كان الحق في الذي قال غيره   - وألا تبعة عليه في الرأي يراه في أسباب المعاش، فيشير به على غيره، وهو عنده صواب، فيعمل به الذي أشار به عليه، فيصادف ذلك خطأ; وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال للقوم الذين كانوا يلقحون النخل: ما أظن ذلك يغني شيئا وكان ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - رأيا رآه في تدبير أمر الدنيا، وأسباب المعاش.

              [ ص: 332 ] وفي ذلك - أيضا - من قوله إبانة عن خطإ قول من قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لا يعمل شيئا، ولا يقوله إلا عن وحي من الله به إليه، كان عمله ذلك، وقوله في أمر الدين أو الدنيا.

              ودلالة على صحة قول من قال: قد يجوز أن يفعل رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أفعالا كثيرة، ويقول أقوالا في غير أمر الدين، ولكن في تدبير أمور الحرب، وأسباب المعاش بما يحضره من الرأي، صادف ذلك صوابا أو غيره .

              وإنما الذي لا يجوز أن يكون منه على وجه الرأي ما كان من أمر الدين الذي يلزم العباد العمل، أو الدينونة به! وذلك أنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال: " إنما أنا بشر مثلكم، وإنما هو ظن ظننته، والظن يخطئ ويصيب ".
               

              وكان قيله ذلك في أمر من أمر المعاش وفيه - أيضا - الإبانة عن خطإ قول من يقول: إن الأنبياء، قد كانت علمت كل ما بالخلق إليه الحاجة في أمر الدين والدنيا; وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ أخبر بأمر القوم الذين كانوا يلقحون النخل، قال: ما أظن ذلك يغني شيئا، فلما تركوا التلقيح، وحال نخلهم، فبلغه ذلك، قال: إنما هو ظن ظننته، إن كان يغني شيئا فليصنعوه، فأخبر - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أن قوله ذلك كان ظنا ظنه، لا يقين علم منه به.

              وأن حكمه - فيما لم يكن خبرا منه عن الله تعالى ذكره - حكم سائر البشر في أنه لا يعلم من الأمور إلا ما علمه الله تبارك وتعالى  

              التالي السابق


              الخدمات العلمية