الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              606 - حدثنا ابن حميد ، قال: حدثنا يحيى بن واضح ، قال: حدثنا يونس ، عن مجاهد ، عن عائشة، قالت: " لا يقطع إلا الكلب الأسود البهيم   ".

              والصواب في ذلك - عندنا - من القول: أن يقال: كل الذي ذكرنا عن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - من أمره المصلي في صلاته أن يستتر بمثل مؤخرة الرحل، وصلاته إلى عنزة، وفي فضاء من الأرض إلى غير سترة، وقوله: " تقطع المرأة، والحمار، والكلب الأسود ".

              وصلاته وبين يديه: الحمار، والكلب: [ ص: 318 ] صحيح غير مفسد شيء من ذلك شيئا مما روي عنه مما ذكرنا قبل! فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون كل ذلك صحيحا مع اختلاف معانيه؟ .

              قيل: ليس في شيء من ذلك - والحمد لله - معنى يفسد معنى شيء غيره .

              فإن قال: فبين لنا ذلك، وكيف وجوه مصادره!

              قيل: أما أمر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - المصلي بالاستتار بمثل مؤخرة الرحل، فأمر ندب واختيار لا إيجاب  وذلك أنه - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قد صلى إلى ما هو أطول من ذلك; ولا خلاف بين جميع علماء الأمة في أن مصليا لو صلى إلى سترة هي أطول أو أقصر من مؤخرة الرحل، أن صلاته ماضية جائزة،  وأنه غير عاص ربه بفعله ذلك: فمعلوم بذلك أن ذلك من أمره على وجه الندب والاختيار .

              وأما صلاته - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - في فضاء من الأرض ليس بين يديه شيء، وصلاته وبين يديه حمارة، وكلبة لا تزجران، ولا تؤخران; فإن ذلك من فعله عليه السلام كان ليعلم أمته أن الذي أمرهم به من الاستتار في الصلاة كان على النحو الذي ذكرت من الاختيار والإرشاد، لا على الإيجاب  فالذي ينبغي للمصلي إذا صلى أن يصلي إلى سترة أقلها قدر مؤخرة الرحل، وإن كانت أقل من ذلك لم يضره.

              وإن لم يجد شيئا يستتر به، فخط في الأرض خطا، فصلى إليه أجزأه، وإن لم يخط أيضا، وصلى إلى غير سترة، مضت صلاته، ولم تكن فاسدة، يلزمه قضاؤها، وإعادتها   .

              وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بنحو ما قلنا من الأمر بالخط في الأرض، إذا لم يجد شيئا يستتر به خبر في إسناده نظر; غير أن ذلك وإن كان كذلك; فإن النظر يدل على صحة معناه، وذلك ما: [ ص: 319 ]

              التالي السابق


              الخدمات العلمية