فمن ذلك: قول " ثم دخل أبي جحيفة: بلال ، فأخرج العنزة ".
والعنزة: قضيب في رأسه حديدة كهيئة سنان الرمح، وهي التي تسميها العامة العكازة.
وأما قوله: " فركزها " فإنه يعني به: فغرزها في الأرض، كما قال الفرزدق:
وصهب لحاهم راكزون رماحهم لهم درق تحت العوالي مصفف)
[ ص: 327 ] وأما قوله: " والظعن تمر بين أيديهم ".فإن الظعن: هي النساء في الهوادج واحدتهن ظعينة تجمع ظعنا، وظعنا، وظعائن، وأظعانا.
ومن الظعن - بتسكين العين - قول لبيد بن ربيعة العامري:
شاقتك ظعن الحي حين تحملوا فتكنسوا قطنا تصر خيامها)
ظعائن يستحدثن في كل موطن رهينا ولا يحسن فك الرهائن)
وشاقتك أظعان لزينب غدوة تحملن حتى كادت الشمس تغرب)
يقال للقوم إذا شخصوا من الموضع الذي يكونون مقيمين به.
قد ظعن القوم، فهم يظعنون ظعنا، ومنه قول الله - تعالى ذكره - يوم ظعنكم ويوم إقامتكم .
ومنه قول عنترة بن شداد:
ظعن الذين فراقهم أتوقع وجرى ببينهم الغراب الأبقع
ومنه قول الله - عز وجل -: وهم في فجوة منه يعني في ناحية فسيحة خالية.
وأما قول ، علي وعثمان " وادرأ ما استطعت ": فإن معناه: وادفع ما استطعت من أراد أن يمر بين يديك.
يقال منه: درأت عن فلان كذا، أدرأه عنه درأ: إذا دفعه عنه.
ومنه قول الله - تعالى ذكره -: " ويدرأ عنها العذاب ": يعني به: ويدفع عنها العذاب.
وأما قول " جئت راكبا على أتان، وقد ناهزت الحلم ". ابن عباس:
فإن معنى قوله: وقد ناهزت الحلم: دنوت منه وقاربته.
وأصل النهز: التناول.
ومنه قيل للرجل يتناول حاجته عند تمكنه منها: انتهز فرصته.
ومنه قول سؤر الذئب: ناهزت سؤر الذئب عنه الذئبا.
يعني: تناولته منه وغلبته عليه.
وأما ". إن الكلب الأسود البهيم شيطان
فإنه يعني بالبهيم: الذي لا يخالط لونه شيء غير السواد. قول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: "
وكل شيء أسود لم يخالط لونه غير السواد، فهو أسود بهيم.
ومن ذلك قول الشاعر في صفة ليل سواد، لا ضوء فيه:
تطاول ليلك الجون البهيم فما ينجاب عن صبح صريم)
ومنه قول حين أتي بشارب، فقال: " استنكهوه، ومزمزوه ": يعني بقوله: [ ص: 329 ] استنكهوه: شموا نكهته ومروه، أن ينكه. عبد الله بن مسعود
يقال منه: نكه ينكه نكها.
وأما قوله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: " فوضعت يدي في وذمته ": فإن أصل الوذمة: الشيء المعلق بغيره: كرشا كان أو كبدا أو قطعة لحم.
وإنما قيل للكرش: وذمة; لأنها معلقة.
وكذلك سيور الدلو: يقال لها: الوذم; لأنها معلقة، وهي طوال مقدودة.
وأرى أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أراد بقوله: " فوضعت يدي في وذمته ": وضعت يدي في أصل أذنه; وذلك شحمة الأذن.
وسمى - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ذلك وذمة، لأنه معلق به.