الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              معلومات الكتاب

              تهذيب الآثار للطبري

              الطبري - محمد بن جرير الطبري

              صفحة جزء
              1037 - حدثنا أبو كريب ، وسفيان ، قالا: حدثنا زيد بن الحباب ، قال: حدثني عمر بن عثمان ، قال: حدثني جدي، عن أبيه، " أن رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - قال يوم فتح مكة: أربعة [ ص: 566 ] لا أؤمنهم في حل ولا حرم! وقينتين كانتا لمقيس بن صبابة تغنيان بهجاء النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقتلت إحداهما، وأفلتت الأخرى فأسلمت   ".

              وهذه الرواية عند أهل العلم بالسير غلط: يقولون: إنما كانت القينتان اللتان كانتا تغنيان بهجاء رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - لعبد الله بن خطل: تدعى إحداهما فرتنى، فأمر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - بقتله وقتلهما، فقتل هو وإحدى القينتين، وأسلمت الأخرى وسارة فتركتا.

              ففيما ذكرنا من هذه الأخبار: الدلالة البينة على أن قتل نساء [ ص: 567 ] المشركين من أهل الحرب لم يكن حراما،  ولا منهيا عنه إلا أخيرا! وفي هذا الخبر - أيضا - الدلالة البينة على أن الحق على من لقي مشركا من أهل الحرب عند التقاء الزحفين ألا يفر منه،  وأن الذي له - إن أتاه أمر لا طاقة له به - الاستطراد للكرة أو التحيز إلى فئة، كما قال جل ثناؤه: يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير .

              وذلك أن أبا دجانة لما قال لرسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إذ قال من يأخذ السيف بحقه؟ -: وما حقه؟ قال: " ألا تقتل مسلما، وألا تفر به عن كافر ": فعم القول - عليه السلام - بنهيه إياه عن الفرارية من الكافر، ولم يطلق له الفرارية عنه بحال، فكذلك القول فيه: غير جائز لمسلم الفرار عند التقاء الزحوف من الكافر، لكن له ما ذكرت من الاستطراد والتحيز، وذلك غير فرار، وفي ذلك من قول النبي - عليه السلام - لأبي دجانة تأييد الأخبار الواردة عن من ورد ذلك عنه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال: " بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - على ألا نفر ".

              التالي السابق


              الخدمات العلمية