فهذا الذي ذكرنا عن ، ومن ذكرنا عنه كراهة تسمية عبد الله وعبد الرحمن نظير الذي روي عن ابن عباس سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كره من لأن كراهيته صلى الله عليه وسلم ذلك كانت حذارا من أن يقال: هاهنا نافع؟ فيقال: لا، أو: هاهنا أفلح، أو بركة؟ فيجاب بلا. تسمية الرجل مملوكه برباح، ونافع، وأفلح؛
ومعلوم أن السائل عن إنسان اسمه أفلح، أو نافع، أو رباح هل هو في مكان كذا؟ إنما مسألته تلك مسألة عن شخص من أشخاص بني آدم، سمي باسم جعل عليه دليلا يعرف به إذا ذكر؛ إذ كانت الأسماء العواري المفرقة بين الأشخاص المتشابهة إنما هي أدلة على المسمى بها، لا مسألة عن شخص صفته النفع والفلاح والبركة.
وذلك من كراهته صلى الله عليه وسلم ذلك، نظير كراهته تسمية امرأة كانت تسمى برة ببرة، حتى حول اسمها عن ذلك فسماها جويرية، وكتحويله اسم أخرى من عاصية إلى جميلة، وكتغييره اسم أرض طابت تدعى عفرة خضرة، ونحو ذلك مما يكثر عدده، سنذكر جميعه إن شاء الله في موضعه [ ص: 287 ] .
ومعلوم أن تحويله صلى الله عليه وسلم ما حول من هذه الأسماء عما كانت عليه، لم يكن لأن التسمية بما كان المسمى به منها مسمى قبل تحويله ذلك كان حراما التسمية به؛ ولكن ذلك كان منه صلى الله عليه وسلم على وجه الاستحباب، واختيار الأحسن على الذي هو دونه في الحسن، إذ كان لا شيء في القبيح من الأسماء إلا وفي الجميل الحسن منها مثله من الدلالة على المسمى به، مع بينونة الأحسن بفضل الحسن والجمال، من غير مؤونة تلزم صاحبه بسبب التسمي به.
وكذلك كراهة من كره تسمية مملوكه عبد الله، وعبد الرحمن، إنما كانت كراهته ذلك؛ حذارا أن يوجب ذلك له العتق بانفراده بهذا الاسم، ولا شك أن جميع بني آدم لله عبيد أحرارهم وعبيدهم، وصفهم بذلك واصف أو لم يصفهم، ولكن كارهي التسمية بذلك صرفوا هذه الأسماء عن رقيقهم؛ لئلا يقع اللبس على السامع لذلك من أسمائهم؛ فيظن أنهم أحرار؛ إذ كان استعمال أكثر الناس التسمية بهذه الأسماء في الأحرار، فتجنبوا إلى ما يزيل اللبس عنهم من أسماء المماليك.
وإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا، والذي به استشهدنا، فالاختيار لكل من له مملوك أن يتجنب تسمية مملوكه بهذه الأسماء التي روينا عن سمرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن تسميته بها، وعن نظائرها، وذلك كتسميته بنجاح، فإنه نظير رباح، وكتسميته سماحا، وخيرا، ونصرا، وسعدا، وكثيرا، فإنه كما أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كره تسميته برباح، ونافع -وإن كان خسارا وضارا، لا رباحا ولا نافعا -حذارا من أن يقال: هل هناك رباح، أو نافع؟ فيقال: لا، فكذلك ينبغي أن يتقى أن يقال: هناك نجاح، أو سماح [ ص: 288 ] أو خير، أو سعد؟ فيقال: لا.
وكذلك ينبغي أن يتجنب من تسميته من الأسماء بما كان نظيرا لما ذكرنا، وله شبيها؛ للعلة التي وصفنا من كراهة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسميته بالأسماء التي ذكرنا، في الخبر الذي روينا عنه، من غير أن يكون مسميه ببعض ذلك -إن سماه به -حرجا، أو مكتسبا بتسميته به إثما، أو متقدما به لله على معصية، ولكنه متقدم بتسميته إياه به على خلاف ما اختاره له رسول الله صلى الله عليه وسلم من تسميته مملوكه به من الأسماء [ ص: 289 ]