واعتل قائلو هذه المقالة لقولهم هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن لما في ذلك من الإضرار بالنفس والحمل عليها، في منعها شهوتها من الطعام والشراب، وحاجتها من القوت والغذاء الذي به قوامها وقوتها على ما هو أفضل من الصوم، كالصلاة النافلة، وقراءة القرآن، والجهاد في سبيل الله عز وجل، وقضاء حق الزور والضيف. صوم الدهر؛
قالوا: وذلك بين في أخبار كثيرة مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحاح، وأن نهيه عن صوم الدهر إنما كان لما ذكرنا من العلة.
قالوا: ولو كان المفطر الأيام المنهي عن صومهن، غير داخل بصومه أيام السنة كلها سواهن في صائمي الدهر؛ لم يكن لقول النبي صلى الله عليه وسلم -إذ نهاه عن صوم الدهر: لعبد الله بن عمرو ، وقوله: "إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين، ونفهت له النفس" -معنى معقول؛ لأنه ليس في صوم يومين أو ستة أيام ما يوجب له هذه المعاني، وإن كان صوم سائر أيام السنة غير موجبها له. "لا تفعل، فإن لجسدك عليك حقا، وإن لعينيك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا، وإن لزورك عليك حقا"
قالوا: وإذ كان معلوما أن السبب الذي من أجله نهى صلى الله عليه وسلم عن صوم الدهر هو ما ذكرنا؛ صح بذلك ما قلنا من أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن صوم الدهر [ ص: 310 ]
مقصود به سرد الصوم من الأيام الكثيرة تباعا، لا إفطار بينهن، كالشهر والأشهر، وإن أفطرت الأيام المنهي عن صومهن.