الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1018 - نا محمد بن موسى بن حماد، نا محمد بن الحارث، عن المدائني والهيثم بن عدي؛ قالا: [ ص: 402 ] [ ص: 403 ] لما مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه؛ أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه خالدا بالمسير إلى الشام واليا من ساعته؛  فأخذ على السماوة حتى انتهى إلى قراقر، وبين قراقر وبين سوى خمس ليال في مفازة، فلم يعرف الطريق فدل على رافع بن عميرة الطائي، وكان دليلا بصيرا، فقال لخالد: خلف الأثقال واسلك هذه المفازة وحدك إن [ ص: 404 ] كنت فاعلا. فكره خالد رحمه الله أن يخلف أحدا؛ فقال له رافع: والله! إن الراكب المنفرد ليخافها على نفسه وما يسلكها إلا مغرور؛ فكيف أنت بمن معك؟ ! فقال: لا بد. وأحب خالد أن يوافي المفازة ويأتي القوم بغتة، فقال له الطائي: إن كان لا بد لك من ذلك؛ فأبغ لي عشرين جزورا سمانا عظاما. ففعل، فظمأهن، ثم سقاهن حتى روين، ثم قطع مشافرهن وشرط شيئا من ألسنتهن وكمعهن لئلا تجتر؛ لأن الإبل إذا اجترت تغير الماء في أجوافهن، وإذا لم تجتر بقي الماء صافيا في بطونهن. ففعل خالد ذلك، وتزودوا من الماء ما يكفي الركب، وسار خالد؛ فكلما نزل منزلا نحر من تلك الجزر أربعا، ثم أخذ ما في بطونها من الماء؛ فسقينه الخيل، وشرب الناس ما معهم، فلما سار إلى آخر المفازة؛ انقطع ذلك عنهم، وجهد الناس، وعطشت دوابهم؛ فقال خالد للطائي: ويحك! ما عندك؟ فقال: أدركت الري إن شاء الله تعالى، انظروا هل تجدون عوسجة على الطريق؟ فوجدوها. فقال: احتفروا في أصلها. فاحتفروا؛ فوجدوا عينا غزيرة، فشربوا منها وتزودوا، فقال رافع: ما وردت هذا الماء قط إلا مرة واحدة وأنا غلام. فقال راجز المسلمين:

(لله در رافع أنى اهتدى فوز من قراقر إلى سوى )      (أرض إذا سار بها الجني بكى
ما سارها من قبلك من إنس أرى)

قال: فخرج خالد من المفازة في بعض الليل، فأشرف على "البشر" على قوم يشربون وبين أيديهم جفنة فيها خمر، وأحدهم يتغنى وقد ذهب من الليل بعضه: [ ص: 405 ]

(ألا عللاني قبل جيش أبي بكر     لعل منايانا قريب وما ندري)
(ألا عللاني بالزجاج وكررا     علي كميت اللون صافية تجري)
(أظن خيول المسلمين وخالدا     سيطرقكم قبل الصباح من البشر )
(فهل لكم في السير قبل قتاله     وقبل خروج المعصرات من الخدر)

فما هو إلا أن فرغ من قوله، شد عليه رجل من المسلمين فضرب عنقه؛ فإذا رأسه في الجفنة، ثم أقبل خالد على أهل البشر، فقتل منهم وأصاب من أموالهم، وبقي خالد متعجبا والمسلمون من قوله في وقته ذلك، وإعجال منيته كأنه ألقي ذلك على لسانه

التالي السابق


الخدمات العلمية