الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1056 - حدثنا أحمد بن خالد الآجري؛ قال: سمعت حارثا المحاسبي رحمه الله يقول في بعض كلامه: إن لله تبارك وتعالى عبادا هم خاصته من بين عباده، وصفوته من جميع خلقه، والمنتخبون من بريته،  والمختارون من عبيده، سبق لهم ذلك منه في إرادته، فنفذ فيهم علمه، وجرت به الأقلام السابقة في كتابه، في الأعقاب الماضية، وفي الدهور الخالية، ومدحهم في كل كتاب أنزله وعلى ألسنة رسله قبل أن يكونوا شيئا مذكورا؛ منا من الله عز وجل [ ص: 450 ] يختص بها من يشاء من عباده، ثم خلقهم فأخرجهم إلى الدنيا في حفظه وكلائته حتى بلغوا أوان العقل عنه، فاستخلص قلوبهم، فأسكنها عظيم معرفته، وأفرد إرادتهم معاملته، وسما بهمومهم إلى طلب القرب منه، واختارهم لمناجاته، واصطفاهم للأنس؛ فدنا منهم بالإقبال عليهم بلطفه، وولي سياسة قلوبهم بتوفيقه؛ فملأها رعبا، ومزجها بشدة حبه، وأهاج حنينها إليه في جواره؛ فأعزف أنفسهم بذلك عن الدنيا وما فيها، ورفع قدرهم عن خدمة الدنيا والتزين لأهلها، فأعتق رقهم من الأطماع فيما خوله أهلها؛ فتوحد في قلوبهم رجاؤه وخوفه وحده، ونفى عنهم الرهبة من خلقه، فألزم قلوبهم الثقة والطمأنينة به؛ فسكنوا إليه، وانتظروا صنعه، وروح قلوبهم بأنس رجائه وحسن الظن به، ورضاهم عنه بما ابتلى، وأبلاهم؛ فطاب في العسر واليسر عيشهم، وقنعهم بعطائه؛ فأغناهم به عمن سواه، فانقطعوا من كل قاطع يقطعهم عنه، واستودع قلوبهم الاشتياق إلى قربه، فأسلاهم بذلك عن نعيم الدنيا وبهجتها؛ فقرت أعينهم، وذهلت عقولهم، واستراحت أنفسهم؛ فكان هو غايتهم ومطلبهم، وإليه مهربهم؛ فصحبوا الدنيا بأبدانهم، وأرواحهم معلقة بالملكوت الأعلى، أولئك أحباء الله من خلقه، وأمناؤه في بلاده، والدعاة إلى معرفته، والوسيلة إلى دينه.

التالي السابق


الخدمات العلمية