الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1492 - حدثنا أحمد، نا أحمد بن خالد الآجري، نا داود بن رشيد، عن أبي عبد الله الصوفي؛ قال: تكلم بعض الزهاد يوما؛ فقال: لا تغتروا بطول السلامة مع تضييع الشكر، واستدعوا شارد النعم. بالتوبة، واستديموا الراهن منها بكرم الجواد، واستفتحوا باب المزيد بحسن التوكل، فعجبت لطالب الدنيا أنه أجد من طالب الآخرة، وخائفها أتعب من خائف الآخرة،  وهو يعلم يقينا أن له ربا يطلبه، قد أحصى عليه ما اكتسب؛ فكيف يعمل في منقلبه إلى ربه لما يعاين من فضائحه التي قد قدم أمامه، وكيف يعمل فيما أمره فلم ينجع فيه أمره، وأعطاه فلم يشكر، وستر فلم يزدد بالستر إلا تعرضا للفضائح من أعماله، وكفاه فلم يقنع بالكفاية، وضمن له رزقه فهو في طلبه مشح جائر داهش، قد عقل عن أجله الذي هو أقرب إليه من حبل الوريد، واشتغل بطلب ما قد ضمن الله عز وجل له من الرزق عن العمل الذي ينجيه يوم القيامة! [ ص: 329 ] فيا ابن آدم! ما بينك وبينها؛ إلا خروج روحك حتى تعاين أهوالا بعد أهوال شداد، وشدائد بعد شدائد، لا يأتي عليك شيء منها إلا وأنساك ما بعده، وكيف لا يكون كذلك، وهو يقول عز وجل: فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ؛ فوالله! ما لك حميم ولا شفيع ترتجي في الآخرة، وما شيء نافعك إلا ما قدمته من عملك، فإن قدمته؛ وافيت الحشر موسرا، وإن لم تقدم شيئا؛ وافيت مفلسا. أو ما علمت أن الميت إذا وضع في قبره، وخلا بنفسه وعمله؛ دخل معه أعماله السيئة في صورة رجل سمج الخلقة، منتن الرائحة، وسخ الثياب، فيقول له: ما أنت؟ فيقول: أنا عملك القبيح الذي كنت تعمل ولا تبالي، وأنا معك حيث وجه بك، فإذا كان يوم القيامة؛ ركب عنقه حتى يوافي به المشهد، فلا يزال به كذلك حتى يفرغ الله عز وجل من حساب الخلائق، فيقول له: قد أبلغت مني مع ما أنا فيه من جهد هذا اليوم؛ فيقول له: احملني اليوم؛ فطالما حملتك، وأعطيت نفسك في مناها، فلا يزال به كذلك؛ حتى يقذفه في جهنم. وأما المشتغل بالآخرة؛ فيدخل معه عمله القبر في صورة حسنة، ورائحة طيبة، وثياب حسنة؛ فيقول: من أنت؛ فما رأيت أحسن منك منظرا، ولا أطيب منك رائحة، ولا أحسن منك لباسا؟ ! فيقول: أنا عملك الصالح؛ فأبشر؛ فإني معك حيث وجه بك حتى أخلصك من أهوال يوم القيامة، فإذا كان يوم القيامة؛ حمله حتى يأتي به الموقف، فيقول له: أحملك اليوم كما أجهدت نفسك وأبليتها وحملتني. فلا يزال به كذلك حتى يدخله الجنة. [ ص: 330 ] فسبحان من وسع ذلك حلمه، وأحاط به علمه، ونفذت فيه مشيئته، ولو شاء ما فعلوه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .

التالي السابق


الخدمات العلمية