الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3019 - حدثنا أحمد، نا ابن أبي الدنيا، نا إبراهيم بن نصر، نا محمد بن الحسين، عن العتبي؛ قال: سمعته بمكة يقول ويدعو؛ فسمعته يقول: سبحان من شمل فضله، وعم بالإحسان شكره،  وعلا في القديم ذكره، وتقدم على كل ذي حق حقه، ونفذ بالمشيئة أمره، وعم الورى حفظه، وأحاط بكل شيء علمه، وبان عن كل ذي حق حقه، وبان على كل ذي حلم حلمه، وألهج أهل السماء بحمده، وحرك كل ساكن بلطفه! ! فسبحان من وسع سمعه الأصوات، ولم تغب عن نظره الحركات، ولم تشتبه [ ص: 125 ] عليه تصاريف اللغات! قد أحكم بتدبيره ما حوى عليه النور والظلمات. إلهي! أنت نور الذاكرين، وحامل الشاكرين، وموصل المنقطعين، ودليل المتحيرين، ووسيلة الأوابين، وحجة المحسنين، وعماد الواثقين، وعين الناظرين. يا خير من استجلب به الخير! ما أحسن أدبك، وأبين على عبادك كرمك، منك تعرف الأيادي، ومنك يبتغى الجميل، ضاق كل وسع عند وسعك، وتلاشا كل معروف عند معروفك، أنت حبيب العارفين وثقة المؤملين، أوسعت أهل الخطايا حلما، والعصاة فضلا، والمعرضين عنك جودا، لولا صفحك عن جرائم المذنبين؛ لضاقت الفجاج، ولفاضت البحار، ولا نخسف القرار، ولزالت أقطار السماوات، ولتدكدكت أركان الأرض، وتعطل العمران، ولضج القفار، ولماج الهوام، ولانقطع عن الفلك اختلاف الليل والنهار؛ غضبا لك، وإعظاما لأمرك. إلهي! كيف لا تبكي عيون الأبرار، أم كيف لا تنخلع أوصال الصديقين؟ ! يا من به ذهلت القلوب، وبكت عليه العيون! فيا سراج كل أواب! أنت في كل نظر منظور، وفي كل وهم موجود، وصل إلى ذلك أهل العلم بك، والمتروحون بنسيم روح ذكرك؛ فهم أهلك والمكرمون ببرك، والمشهورون بين بريتك. [ ص: 126 ] إلهي! فأسألك أن تجعل لي نورا أهتدي به لنورك، وأسكن في قلبي معرفتك وإعظامك، ما إذا أقمت بين يديك؛ أماتتني خشيتك، واعتلتني رهبتك، واكشف لي عن كل مستور حتى أحيى بعلمه، وقرب مني كل بعيد حتى أحيى بفهمه، وأبرأ إليك من كل حيلة أستجلب بها حيلة، وأعوذ بك من كل هم أنقطع به عن الهم بك، واكشف لي عن حجاب الحيرة؛ فأنا مأسور في قبضتك مدبر بمشيئتك، كيف تشاء أكون، وما تريد أريد، لا أخرج عن ذلك، وكيف أخرج عن ذلك ولم أكن شيئا فكونتني، وكنت جاهلا فعلمتني، وبلطف مشيئتك دبرتني؟ ! يا رحمن! يا رحيم! يا قادر! يا قاهر! يا من يتودد إلى عباده بالجود والكرم! أسألك عفوك ومعافاتك وموجبات رحمتك.

التالي السابق


الخدمات العلمية