الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
281 - عبد الوهاب بن عبد الحكم، ويقال ابن الحكم بن نافع أبو الحسن الوراق نسائي الأصل

صحب إمامنا أحمد وسمع منه ومن يحيى [ ص: 210 ] بن سليم الطائفي ، وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ، ومعاذ بن معاذ العنبري ، وأنس بن عياض وغيرهم روى عنه ابنه الحسن ، وأبو داود السجستاني وابنه عبد الله ، وأبو بكر بن أبي الدنيا ، وأبو القاسم البغوي ، وخطاب بن بشر ، ويحيى بن صاعد ، والقاضي المحاملي . وكان صالحا ورعا زاهدا، وذكره أبو الحسين بن المنادي فقال: كان يسكن الجانب الغربي ببغداد وحدث بألوف، وكان من الصالحين العقلاء.

وقال ابنه الحسن : كان أبي عبد الوهاب إذا وقعت منه قطعة فأكثر لا يأخذها ولا يأمر أحدا أن يأخذها، فقلت له يوما: يا أبت الساعة سقطت منك هذه القطعة فلم لا تأخذها؟ فقال: قد رأيتها ولكني لا أعود نفسي أن آخذ شيئا من الأرض كان لي أو لغيري.

وقال ابنه أيضا: ما رأيت أبي ضاحكا قط إلا متبسما، وما رأيته مازحا قط، ولقد رآني مرة وأنا أضحك مع أمي فجعل يقول: صاحب قرآن يضحك هذا الضحك؟ وإنما كنت مع أمي.

قرأت على المبارك قلت له: حدثك محمد الصوري ، أخبرنا أبو الحسين القسامي قال: أملى علينا أحمد بن محمد بن الحجاج المرعشي الأنطاكي ، حدثنا محمد بن منصور الحربي ، حدثنا محمد بن جعفر الراشدي قال: سمعت عبد الوهاب الوراق يقول: ما رأيت مثل أحمد بن حنبل قيل له: وأيش الذي بان لك من فضله وعلمه على سائر من رأيت؟ قال: رجل سئل عن ستين ألف مسألة فأجاب فيها بأن قال: حدثنا وأخبرنا.  

وأنبأنا الوالد السعيد - نور الله ضريحه - عن إبراهيم عن عبد العزيز ، حدثنا أحمد حدثنا أبو بكر المروذي قال: سمعت عبد الوهاب الوراق يقول: أبو عبد الله إمامنا وهو من الراسخين في العلم، إذا وقفت غدا بين يدي الله تعالى فسألني بمن اقتديت؟ أقول بأحمد بن حنبل وأي شيء ذهب على أبي عبد الله من أمر الإسلام وقد بلي منذ عشرين سنة في هذا الأمر. [ ص: 211 ]

قال: وقال إسحاق بن داود بن صبيح : نحن نقتدي بمن مات : أحمد بن حنبل إمامنا، وهو من الراسخين في العلم، وأي شيء ذهب على أبي عبد الله من أمر الإسلام.

قال وسمعت أبا الحسن علي بن مسلم الطوسي وذكر أبا عبد الله فقال: ما أعلم أحدا بلي بمثل ما بلي به فصبر، وهو قدوة وحجة لأهل هذا العصر ومن يجيء بعدهم.

وأنبأنا الوالد السعيد ، حدثنا عبيد الله بن أحمد ، حدثنا محمد بن العباس ، حدثنا جعفر الصندلي سمعت خطاب بن بشر يذكر عن عبد الوهاب الوراق قال: لما قال: النبي - صلى الله عليه وسلم - : "فردوه إلى عالمه" رددناه إلى أحمد بن حنبل .  

ورواه الخطيب فقال: رددناه إلى أحمد بن حنبل وكان أعلم أهل زمانه.

وروى أيضا بإسناده قال: قال عبد الوهاب : ما بلغنا أنه كان للمسلمين جمع أكثر منهم على جنازة أحمد بن حنبل إلا جنازة في بني إسرائيل.  

وقال المروذي سمعت أبا عبد الله يقول: عبد الوهاب الوراق رجل صالح، مثله يوفق لإصابة الحق.

وقال مثنى الأنباري ذكرت عبد الوهاب لأحمد فقال: إني لأدعو الله له، وفي لفظ آخر قال أحمد : ومن يقوى على ما يقوى عليه عبد الوهاب ؟

وقال عبد الوهاب الوراق : رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أقبل فقال: مالي أراك محزونا؟ فقلت: وكيف لا أكون محزونا وقد حل بأمتك ما قد ترى؟ فقال لي: لينتهين الناس إلى مذهب أحمد بن حنبل لينتهين الناس إلى مذهب أحمد بن حنبل .

وقال محمد بن جعفر سألت عبد الوهاب عن أبي ثور فقال: أتدين فيه بما حدثني به أبو طالب عن أبي عبد الله أنه سأله عنه فقال: يجفى ويجفى من أفتى برأيه. [ ص: 212 ]

وقال زكريا بن الفرج سألت عبد الوهاب غير مرة عن أبي ثور فأخبرني أن أبا ثور جهمي وذلك أنه قطع بقول أبي يعقوب الشعراني حكى أنه سأل أبا ثور عن خلق آدم على صورته فقال: إنما هو على صورة آدم ليس هو على صورة الرحمن.

قال زكريا : فقلت بعد ذلك لعبد الوهاب : ما تقول في أبي ثور ؟ فقال: ما أدين فيه إلا بقول أحمد بن حنبل يهجر أبو ثور ومن قال بقوله.

قال زكريا : وقلت لعبد الوهاب - مرة أخرى - وقد تكلم قوم في هذه المسألة خلق الله آدم على صورته  فقال: من لم يقل إن الله خلق آدم على صورة الرحمن فهو جهمي.

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم ، حدثنا أبي قال: قال عبد الوهاب الوراق : القرآن كلام الله غير مخلوق، ومن قال مخلوق فهو كافر، هو والله زنديق.  

وقال منصور الحربي وغيره: إنه رأى بشر بن الحارث - يعني في المنام - قال: فقلت له: ما فعل أبو نصر التمار ، وعبد الوهاب الوراق ؟ قال: تركتهما الساعة بين يدي الله - عز وجل - يأكلان ويشربان. قلت: فأنت؟ قال: علم الله قلة رغبتي في الأكل والشرب فأعطاني النظر إليه سبحانه وتعالى.

واختلف في وفاة عبد الوهاب فقيل: سنة خمسين ومائتين، وقيل: سنة إحدى وخمسين ومائتين، وهو أثبت، وصلى عليه الأمير الموفق بن المتوكل على الله ودفن بباب البردان .

وقال عبد الوهاب قال أحمد بن حنبل : أحب القراءات إلي نافع فإن لم فعاصم .

التالي السابق


الخدمات العلمية