الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
436 - محمد بن عوف بن سفيان الطائي الحمصي أبو جعفر .

قرأت في كتاب الخلال قال: إنه حافظ، إمام في زمانه، معروف بالتقدم في العلم والمعرفة على أصحابه. سمع من أبي المغيرة وأهل الشام والعراق ، وكان أحمد بن حنبل يعرف له ذلك، ويقبل منه، ويسأله عن الرجال من أهل بلده. وسمع منه أحمد بن حنبل فيما بلغني عن أبيه حديث الهزار .

أخبرنا محمد بن عوف ، حدثني أبي، حدثنا سفيان مولى العباس بن الوليد قال: سمعت الهزار - وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - يقول للعباس بن الوليد ورأى إسرافه في خبر السميد وغيره: لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما شبع من خبز بر حتى فارق الدنيا  ، وسمعت منه أيضا حديثا كثيرا.

وكانت عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة في العلل وغيرها، ويغرب فيها أيضا بأشياء لم يجئ بها غيره. [ ص: 311 ]

منها قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفتنة إذا لم يكن إمام يقوم بأمر المسلمين.

ونقلت من خط أحمد الشنجي بإسناده قال: سمعت محمد بن عوف يقول: أملى علي أحمد بن حنبل جاء حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " من لقي الله بذنب يجب له به النار تائب منه غير مصر عليه فإن الله يتوب عليه، ومن لقيه وقد أقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته   " كما جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن لقيه مصرا غير تائب من الذنوب التي قد استوجب بها العقوبة؛ فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له إذا توفي على الإسلام والسنة، ومن تنقص أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أبغضه لحدث كان منه، أو ذكر مساويه كان مبتدعا خارجا عن الجماعة حتى يترحم عليهم جميعا، ويكون قلبه لهم بأجمعهم سليما. والنفاق هو الكفر بالله: أن يكفر بالله ويعبد غيره، ويظهر الإسلام في العلانية مثل المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فمن أظهر منهم الكفر قتل، وليس بمثل هذه الأحاديث التي جاءت: " ثلاث من كن فيه فهو منافق " هذا على التغليظ، وتروى كما جاءت لا يجوز لأحد أن يفسرها. وقوله " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض "، ومثل قوله " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار "، ومثل قوله " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر "، ومثل قوله " من قال لأخيه يا كافر: فقد باء بها أحدهما "، ومثل قوله " كفر بالله من تبرأ من نسب، وإن دق " ونحوه هذه الأحاديث مما قد صح وحفظ، فإنا نسلم لها، وإن لم نعلم تفسيرها، ولا نتكلم فيها، ولا نجادل فيها، ولا نفسرها، ولكنا نرويها كما جاءت، ونؤمن بها، ونعلم أنها حق، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ونسلم بها، ولا نردها، ولا نترك الصلاة على أحد من أهل القبلة بذنب أذنبه صغيرا [ ص: 312 ] أو كبيرا إلا أن يكون من أهل البدع الذين أخرجهم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الإسلام: القدرية والمرجئة والرافضة والجهمية، فقال: " لا تصلوا معهم، ولا تصلوا عليهم "، وكما جاء الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأحاديث الصحيحة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد رأى ربه ، فإنه مأثور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ، ورواه الحكم بن أبان العدوي عن عكرمة عن ابن عباس ، ورواه علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس الإيمان بذلك، والتصديق به، وأن أهل الجنة يرون الله - عز وجل - عيانا  ، وأن العباد يوزنون بأعمالهم؛ فمنهم من لا يزن جناح بعوضة، وأن الله تبارك وتعالى يكلم العباد ليس بينه وبينهم ترجمان،  وأن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حوضا آنيته أكثر من عدد نجوم السماء، والإيمان بعذاب القبر، وبفتنة القبر، يسأل العبد عن الإيمان والإسلام، ومن ربه، وما دينه، ومن نبيه، وبمنكر ونكير، والإيمان بشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوم يخرجون من النار، والإيمان بشفاعة الشافعين، وأن الجنة والنار مخلوقتان قد خلقتا، كما جاء الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " دخلت الجنة فرأيت فيها قصرا " ورأيت الكوثر " و " اطلعت في النار فرأيت أهلها " فمن زعم أنهما لم يخلقا فهو مكذب برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالقرآن، كافر بالجنة وبالنار يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وأنه إذا لم يبق لأحد شفاعة قال الله تعالى: " أنا أرحم الراحمين " فيدخل كفه في جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه غيره، ولو شاء أخرجهم كلهم، وحديث عبد الرحمن بن عامر الحضرمي فوضع كفه بين كتفي، فوجدت بردها بين ثديي " و " جهنم لا تزال تقول: هل من مزيد، حتى يأتيها الرب تبارك وتعالى فيضع قدمه فيها فتزوى فتقول: قط قطـ حسبي حسبي ". هكذا جاء الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا ننزل أحدا من أهل القبلة جنة ولا نارا إلا من شهد له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 313 ] بالجنة:   أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وأن آدم - صلى الله عليه وسلم - خلق على صورة الرحمن، كما جاء الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواه ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكما صح الخبر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ما من قلب إلا بين إصبعين من أصابع الرحمن " و " كلتا يديه يمين " الإيمان بذلك فمن لم يؤمن بذلك، ويعلم أن ذلك حق كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو مكذب برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأن الخبر قد صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أن الله لما خلق آدم ضرب بيده شق آدم الأيمن، ثم ضرب بيده الأخرى - وكلتا يديه يمين - على شق آدم الأيسر فقال في الأولى: من أهل الجنة، وفي الأخرى: من أهل النار "، والإيمان بالقدر خيره وشره، والإيمان قول وعمل، يزيد وينقص، ينقص بقلة العمل، ويزيد بكثرة العمل، والقرآن كلام الله غير مخلوق من حيثما سمع وتلي، منه بدأ وإليه يعود، وخير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي . فقلت له: يا أبا عبد الله فإنهم يقولون إنك وقفت على عثمان ؟ فقال: كذبوا والله علي. إنما حدثتهم بحديث ابن عمر : كنا نفاضل بين أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نقول: أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، فيبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره، ولم يقل النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا تخايروا بعد هؤلاء بين أحد، ليس لأحد في ذلك حجة، فمن وقف على عثمان ولم يربع بعلي فهو على غير السنة يا أبا جعفر .

التالي السابق


الخدمات العلمية