الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
57 - أحمد بن محمد بن هانئ الطائي

ويقال الكلبي الأثرم الإسكافي أبو بكر جليل القدر حافظ إمام سمع حرمي بن حفص ، وعفان بن مسلم ، وأبا بكر بن أبي شيبة ، وعبد الله بن مسلم القعنبي وإمامنا في آخرين.

نقل عن إمامنا مسائل كثيرة وصنفها ورتبها أبوابا.

أخبرنا عبد الرحمن بن أحمد قراءة أخبرنا إبراهيم البرمكي أخبرنا محمد بن نجيب حدثنا عمر بن محمد حدثنا أبو بكر الأثرم حدثنا محمد بن سيار حدثني أبو داود صاحب الطيالسة حدثنا شعبة عن عاصم الأحول عن أبي حاجب عن الحكم بن عمرو الغفاري وهو الأقرع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يتوضأ الرجل بفضل وضوء المرأة.   [ ص: 67 ]

وبه قال قلت لأبي عبد الله: فضل وضوء المرأة قال: إذا خلت به فلا يتوضأ منه إنما رخص النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضئا جميعا.

وبه قال: سمعت أبا عبد الله سئل عن مسح الرأس كيف هو؟  فقال: هكذا ووضع يديه كلتيهما على مقدم رأسه ثم جرهما إلى مؤخر رأسه ثم ردهما جميعا إلى المكان الذي منه بدأ وذلك كله في مرة لم يرفعهما عن رأسه ثم قال: على حديث عبد الله بن يزيد.

وبه قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن المسح على العمامة  قيل له تذهب إليه قال: نعم قال أبو عبد الله: من خمسة وجوه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

وبه قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل نسي المضمضة والاستنشاق في وضوئه؟  قال: يعيد الصلاة قلت: لأبي عبد الله يعيدهما أم يعيد الوضوء كله قال: لا بل يعيدهما ولا يعيد الوضوء قلت: لأبي عبد الله فنسي المضمضة وحدها فقال: الاستنشاق عندي أوكد.

وبه قال: سألت أبا عبد الله عن الوضوء من القيء؟  فقال: نعم يتوضأ قلت له: على إيجاب الوضوء قال: نعم واحتج بحديث ثوبان " أنا صببت لرسول الله وضوءه ".

وقال الأثرم سألت أبا عبد الله عن القراءة بالألحان  فقال: كل شيء محدث فإنه لا يعجبني إلا أن يكون صوت الرجل لا يتكلفه.

وقال الأثرم سألت أبا عبد الله عن التعريف في الأمصار يجتمعون في المساجد يوم عرفة  قال: أرجو أن لا يكون به بأس فعله غير واحد قال: أبو عبد الله الحسن ، وبكر ، وثابت ، ومحمد بن واسع كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة.

وقال الأثرم سمعت أحمد وذكر سفيان بن عيينة فقال: ما رأينا نحن مثله وقال علي بن المديني حج سفيان بن عيينة ثنتين وسبعين حجة مات عطاء [ ص: 68 ] سنة خمس عشرة ومائة وحج سفيان بعد موته بسنة وهو ابن تسع سنين فلم يزل يحج حتى مات.

وقال الأثرم سألت أحمد عن مقاتل بن سليمان فقال لي: ما أقول؟ ما رأيت أحدا أعلم بالتفسير من مقاتل بن سليمان.  

وقال الأثرم كنت عند خلف البزاز يوم جمعة فلما قمنا من المجلس صرت إلى قرن الصراة فأردت أن أغتسل للجمعة فغرقت فلم أجد شيئا أتقرب به إلى الله جل ثناؤه أكثر عندي من أن قلت: اللهم إن تحيني لأتوبن من صحبة حارث يعني المحاسبي.

وقال الأثرم كان حارث المحاسبي في عرس لقوم فجاء يطلع على النساء من فوق الدرابزين ثم ذهب يخرجه يعني رأسه فلم يستطع فقيل له لم فعلت هذا قال: أردت أن أعتبر بالحور العين.

قال الأثرم في أثناء كتاب إلى الثغر أعاذنا الله وإياكم من كل موبقة وأنقذنا وإياكم من كل مهلكة وسلمنا وإياكم من كل شبهة ومسكنا وإياكم بصالح ما مضى عليه أسلافنا وأئمتنا.

كتابي إليكم ونحن في نعم متواصلة نسأل الله تمامها ونرغب إليه في الزيادة من فضله والعون على بلوغ رضاه إن في كثير من الكلام فتنة وبحسب الرجل ما بلغ به من الكلام حاجته ولقد حكي لنا أن فضلا كان يتلاكن في كلامه فإن في السكوت لسعة وربما كان من الأمور ما يضيق عنه السكوت وذلك لما أوجب الله من النصيحة وندب العلماء من القيام بها للخاصة والعامة، ولولا ذلك كان ما دعا إليه من الخمول أصوب في دهر قل فيه من يستراح إليه ونشأ فيه من يرغب عنه ونحن في موضع انقطاع عن الأمصار فربما انتهى إلينا الخبر الذي يزعجنا فنحرص على الصبر فنخاف وجوب الحجة من العلم.

ولقد تبين عند أهل العلم عظم المصيبة بما فقدنا من شيخنا رضي الله عنه [ ص: 69 ] أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل إمامنا ومعلمنا ومعلم من كان قبلنا منذ أكثر من ستين سنة وموت العالم مصيبة لا تجبر وثلمة لا تسد وما عالم كعالم إنهم يتفاضلون ويتباينون بونا بعيدا فقد ظننت أن عدو الله وعدو المسلمين إبليس وجنوده قد أعدوا من الفتن أسبابا انتظروا بها فقده لأنه كان يقمع باطلهم ويزهق أحزابهم.

وكانت أول بدعة علمتها فاشية من الفتن المضلة ومن العماية بعد الهدى وقد رأيت قوما في حياة أبي عبد الله كانوا لزموا البيت على أسباب من النسك وقلة من العلم فأكرمهم الناس ببعض ما ظهر لهم من حبهم للخير فدخلهم العجب مع قلة العلم فكان لا يزال أحدهم يتكلم بالأمر العجيب فيدفع الله ذلك بقول الشيخ جزاه الله أفضل ما جزى من تعلمنا منه ولا يكون من أحد منهم من ذلك شيء إلا كان سبب فضيحته وهتك ما مضى من ستره فأنا حافظ من ذلك لأشياء كثيرة وإنما هذا من مكايد إبليس مع جنوده، يقول لأحدهم أنت أنت ومن مثلك؟ فقل، قد قال غيرك، ثم يلقي في قلبه الشيء ليس هناك سعة في علم فيزين عنده: أن يبتدئه ليشمت به. وإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

وقد ظننت أن آخرين يلتمسون الشهرة ويحبون أن يذكروا وقد ذكر قبلهم قوم بألوان من البدع فافتضحوا ولأن يكون الرجل تابعا في الخير خير من أن يكون رأسا في الشر وقد قال ابن مسعود: " اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم كل بدعة ضلالة " وقال: أيها الناس " إنكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالأمر الأول "  وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " البركة مع أكابركم   " وقال ابن مسعود " لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم " وقال ابن عمر " كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة   " وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " ألا هلك المتنطعون   " وقال الصديق رضي الله عنه أي أرض تقلني؟ وأي [ ص: 70 ] سماء تظلني؟ إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم وقال علي ما أبردها على الكبد إذا سئل الرجل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم وقال أبو موسى من علمه الله علما فليعلمه الناس وإياه أن يقول مالا علم له به فيصير من المتكلفين ويمرق من الدين وقال ابن مسعود إذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقر ولا يستحي وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث أنه قال: " من أحدث حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " وفي بعضها لا تجوز شهادة محدث في الإسلام  وفي بعضها أنه قيل يا رسول الله وما الحدث؟ قال: من قتل نفسا بغير نفس ومن امتثل مثلة بغير قود أو ابتدع بدعة بغير سنة فقرن ذلك بقتل النفس ولعنة الله والملائكة وقال الشعبي ما حدثوك عن رأيهم فألقه في الحش.

وقال عمر بن عبد العزيز إياك وما أحدث المحدثون فإنه لم تكن بدعة إلا وقد مضى قبلها ما هو دليل عليها وعبرة منها فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة وإن السنة إنما سنها من قد علم ما جاء في خلافها من الخطإ والزلل والحمق والتعمق وارض لنفسك بما رضي به القوم لأنفسهم فإنهم عن علم وقفوا وببصر ناقد كفوا ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى وبفضل - لو كان فيها - أحرى إنهم لهم السابقون فلئن كان الهدى ما أنتم عليه فقد سبقتموهم إليه وإن قلتم حدث حدث بعدهم ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم ولقد تكلموا منه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفي فما دونهم مقصر ولا فوقهم محسر لقد قصر دونهم أقوام فجفوا وطمح آخرون عنهم فغلوا وإنهم مع ذلك لعلى هدى مستقيم.

وقال القاسم بن محمد لأن يعيش الرجل جاهلا خير له من أن يقول على الله مالا يعلم.  

وقال ابن مسعود إن من العلم: إذ سئل الرجل عما لا يعلم أن يقول: الله أعلم. [ ص: 71 ]

وقال ابن عمر العلم ثلاث: آية محكمة وسنة ماضية ولا أدري.  

وقال الشعبي " لا أدري نصف العلم ".

وقال الربيع بن خثيم " إياك أن يقول الرجل: حرم هذا ونهى عن هذا فيقول الله له كذبت ".

وقال أحمد بن عبد الرحمن الحميري لأن أرده مغبة أحب إلي من أن أتكلفه.

وقال الشعبي والله ما أبالي سئلت عما أعلم أو عما لا أعلم.

يقول إنه يسهل علي أن أقول لا أعلم.

وقال عبد الله بن عتبة بن مسعود إنك لن تخطئ الطريق ما دمت على الأثر وقال ابن عباس عليك بالاستقامة وإياك والبدع والتبدع  وقال معاذ بن جبل إياكم والتبدع والتنطع وعليكم بالعتيق.

وقال ابن عباس لا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم.

وقال إبراهيم ما جعل الله في هذه الأهواء مثقال ذرة من خير وما هي إلا زينة من الشيطان وما الأمر إلا الأمر الأول وقد جعل الله على الحق نورا يكشف به العلماء ويصرف به شبهات الخطإ وإن الباطل لا يقوم للحق قال الله عز وجل " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون " فهذه لكل واصف كذب إلى يوم القيامة وإن أعظم الكذب أن تكذب على الله.

وإن أبا عبد الله وإن كان قريبا موته فقد تقدمت إمامته ولم يخلف فيكم شبهة وإنما أبقاه الله لينفع به فعاش ما عاش حميدا ومات بحمد الله [ ص: 72 ] مغبوطا يشهد له خيار عباد الله الذين جعلهم الله شهداء في أرضه ويعرفون له ورعه وتقواه واجتهاده وزهده وأمانته في المسلمين وفضل علمه ولقد انتهى إلينا أن الأئمة الذين لم ندركهم كان منهم من ينتهي إلى قوله ويسأله ومنهم من يقدمه ويصفه. ولقد أخبرت أن وكيع بن الجراح كان ربما سأله وأن عبد الرحمن بن مهدي كان يحكي عنه ويحتج به ويقدمه في العلم ويصفه. وذلك نحو ستين سنة. وأخبرت أن الشافعي كانت أكثر معرفته بالحديث مما تعلم منه ولقد أخبرت أن إسماعيل بن علية كان يهابه وقال لي شيخ مرة ضحكنا من شيء وثم أحمد بن حنبل فجئنا بعد إلى إسماعيل فوجدناه غضبانا فقال: تضحكون وعندي أحمد بن حنبل وأخبرت أن يزيد بن هارون ذكره فبكى وأخبرت أن يزيد عاده في منزله وأخبرت أن أبا عاصم قال: ما جاءنا مثله.

وكم بلغنا مثل هذا وذكر تمام الرسالة بطولها.

وقال أبو بكر الخلال وذكر الأثرم فقال: جليل القدر حافظ وكان عاصم بن علي بن عاصم لما قدم بغداد طلب رجلا يخرج له فوائد يمليها فلم نجد له في ذلك الوقت غير أبي بكر الأثرم فكأنه لما رآه لم يقع منه بموقع لحداثة سنه فقال له: أخرج كتبك فجعل يقول له: هذا الحديث خطأ وهذا الحديث كذا وهذا غلط وأشياء نحو هذا فسر عاصم به وأملاه قريبا من خمسين مجلسا فعرضت على أحمد بن حنبل فقال: هذه أحاديث صحاح.

وكان يعرف الحديث ويحفظه ويعلم العلوم والأبواب والمسند فلما صحب أحمد بن حنبل ترك ذلك فأقبل على مذهب أبي عبد الله.

فسمعت أبا بكر المروذي يقول قال: الأثرم كنت أحفظ يعني الفقه والاختلاف فلما صحبت أحمد بن حنبل تركت ذلك كله. [ ص: 73 ]

وكان معه تيقظ عجيب حتى نسبه يحيى بن معين ، ويحيى بن أيوب المقابري فقال: أحد أبوي الأثرم جني.

وقال الخلال وأخبرني أبو بكر بن صدقة قال: سمعت أبا القاسم بن الجيلي قال: قدم رجل فقال: أريد رجلا يكتب لي من كتاب الصلاة ما ليس في كتب ابن أبي شيبة قال: فقلنا له أو فقالوا ليس لك إلا أبو بكر الأثرم قال: فوجهوا إليه ورقا فكتب ستمائة ورقة من كتاب الصلاة قال: فنظرنا فإذا ليس في كتاب ابن أبي شيبة منه شيء.

قال وسمعت الحسن بن علي بن عمر الفقيه يقول قدم شيخان من خراسان للحج فحدثا فلما خرجا طلب قوم من أصحاب الحديث أحدهما قال: فخرج يعني إلى الصحراء فقعد هذا الشيخ ناحية معه خلق من أصحاب الحديث والمستملي وقعد الآخر ناحية قال: وقعد الأثرم بينهما فكتب ما أملاه هذا وما أملاه هذا.

قال وأخبرني عبد الله بن محمد قال: سمعت سعيد بن عتاب يقول سمعت يحيى بن معين يقول كان أحد أبوي الأثرم جنيا.

قال وأخبرني أبو بكر بن صدقة قال: سمعت إبراهيم بن الأصبهاني يقول أبو بكر الأثرم أحفظ من أبي زرعة الرازي وأتقن.

قال وسمعت أبا بكر محمد بن علي يقول سمعت أبا بكر الأثرم يقول أحمد بن حنبل ستر من الله على أصحابه فينبغي لأصحاب أحمد أن يتقوا الله ولا يعصوه مخافة أن يعيروا بأحمد بن حنبل.

وقال أحمد في رواية الأثرم والمحرم لا يلبس نعلا لها قيد ووصف القيد سير يجعل في الزمام معترضا.

قال وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله مرارا يقول إذا قام من المجلس سبحانك اللهم وبحمدك حتى أرى شفتيه تتحركان فلا أفهم بقية كلامه [ ص: 74 ] كأنه يذهب إلى ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في كفارة المجلس  روى أبو برزة ، وأبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقول " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك "  ولم يقع لي تاريخ وفاته.

التالي السابق


الخدمات العلمية