الطبقة الخامسة تتضمن طرفا من أخبار الوالد السعيد ومولده ووفاته وهو :
محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء أبو يعلى :
كان عالم زمانه وفريد عصره ونسيج وحده وقريع دهره وكان له في الأصول والفروع القدم العالي وفي شرف الدين والدنيا المحل السامي والخطر الرفيع عند الإمامين : القادر والقائم رضي الله عنهما وأصحاب الإمام رضي الله عنه له يتبعون ولتصانيفه يدرسون ويدرسون وبقوله يفتنون وعليه يعولون والفقهاء على اختلاف مذهبهم وأصولهم كانوا عنده يجتمعون ولمقاله يسمعون ويطيعون وبه ينتفعون وبالاهتمام به يقتدون وقد شوهد له من الحال ما يغني عن المقال لا سيما مذهب إمامنا أحمد أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل واختلاف الروايات عنه ومما صح لديه منه مع معرفته بالقرآن وعلومه والحديث [ ص: 194 ] والفتاوى والجدل وغير ذلك من العلوم مع الزهد والورع والعفة والقناعة وانقطاعه عن الدنيا وأهلها واشتغاله بسطر العلم وبثه وإذاعته ونشره .
وكان والده أحد شهود الحضرة أبو عبد الله : بمدينة السلام حضر عنده في داره : محمد بن صبير قاضي الإمام الطائع لله فشهد عنده في خلافة الطائع لله ولم نسمع أن أحدا قصده من يشهد بين يديه فشهد عنده في داره سواه ولم يكن يومئذ قاضي قضاة وكان ابن معروف معزولا وقد أهل ابن صبير لقضاء القضاة وقد شوهد ذلك في درج بخط ابن صاحب النعمان لما ذكر شهود باب الطاق .
وكان جدي قد درس على أبو عبد الله أبي بكر الرازي مذهب وغير خاف محل أبي حنيفة أبي بكر الرازي وأن المطيع لله ، ومعز الدولة خاطباه ليلي قضاء القضاة فامتنع وكان محل جدي منه : أنه مرض مائة يوم فعاده أبي عبد الله أبو بكر الرازي خمسين يوما يعبر إليه من الجانب الغربي بالكرخ من درب عبدة إلى باب الطاق بالجانب الشرقي فلما عوفي وحضر عنده في مجلسه قال له أبو بكر الرازي : يا مرضت مائة يوم فعدناك خمسين يوما وذاك قليل في حقك . أبا عبد الله
وتوفي في سنة تسعين وثلاثمائة .
وكان سن الوالد في ذلك الوقت عشر سنين إلا أياما وكان وصيه رجل يعرف بالحربي يسكن بدار القز فنقل الوالد السعيد من باب الطاق إلى شارع دار القز وفيه مسجد يصلي فيه شيخ صالح يعرف بابن مفرحة المقرئ يقرئ القرآن ويلقن من يقرأ عليه العبارات من مختصر الخرقي فلقن الوالد السعيد ما جرت عادته بتلقينه من العبادات فاستزاده الوالد السعيد فقال له ذلك الشيخ : هذا القدر الذي أحسنته فإن أردت زيادة عليه فعليك بالشيخ أبي عبد الله بن حامد فإنه شيخ هذه الطائفة ومسجده بباب الشعير فمضى الوالد إليه وصحبه [ ص: 195 ] إلى أن توفي ابن حامد في سنة ثلاث وأربعمائة وتفقه عليه وبرع في ذلك وكان ذلك من لطف الله تعالى به وإرادته تعالى حفظ هذا المذهب .
وقد ذكرنا في أخبار ابن حامد سؤال محمد بن علي المقرئ له عند خروجه إلى الحج سنة اثنتين وأربعمائة : على من ندرس ؟ وإلى من نجلس ؟ فقال له : إلى هذا الفتى وأشار إلى القاضي أبي يعلى .
وقد كان لابن حامد أصحاب كثيرون فتفرس في الوالد السعيد ما أظهره الله تبارك وتعالى عليه روى رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبو هريرة " اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله عز وجل " .
فأما مولده : فولد لتسع وعشرين أو ثمان وعشرين ليلة خلت من المحرم سنة ثمانين وثلاثمائة .