وكان الوالد السعيد - في مرضه الذي مات فيه - قد أوصى بأن يغسله الشريف أبو جعفر فحضر وتولى ذلك بنفسه وعرف ذلك الإمام القائم بأمر الله .
فلما حضرت القائم بأمر الله الوفاة قال : يغسلني الذي غسل ابن الفراء : ابن أبي موسى وعدل عن جميع أهل العلم والقضاة والأشراف ففعل وكان ذلك في يوم الخميس ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وأربعمائة فصعد باب الغرفة وأدخل من هناك إلى حجرة الإمام القائم بأمر الله وهو ميت مسجى فيها فغسله وعاونه في غسله من صب ماء وغيره عفيف وصافي وسلامة ومسعود .
وتنزه أن يأخذ مما هناك شيئا فقيل له : قد أوصى لك أمير المؤمنين بأشياء كثيرة من المال والثياب وهي حاضرة هناك لها قيمة فأبى أخذها فقيل له : فقميص أمير المؤمنين تتبرك به فأخذ فوطة نفسه فنشف بها الإمام القائم بأمر الله وقال : قد لحق هذه الفوطة وهي ملكي بركة أمير المؤمنين ولم يأخذ القميص .
فقلت له بعد اجتماعي معه : أين سهمنا مما كان هناك ؟ فقال : أحييت حال شيخنا والدك الإمام أبي يعلى يقال : هذا غلامه تنزه عن هذا القدر الكثير فكيف لو كان الوالد السعيد ؟ .
ولو ذهبت أشرح طريقته وزهده وورعه لما احتمله هذا الموضع .
وحاله أشهر وأمره أظهر من ذلك .