697 - أبو بكر أحمد بن علي بن أحمد العلثي :
أحد المشهورين بالصلاح والزهد .
صحب الوالد السعيد سنين يسمع درسه والحديث منه فعادت بركته عليه فصار عالما زاهدا عابدا فظهر له في الناس القبول والمحبة وإجابة الدعاء .
وكان في حداثته يعمل صنعة الجص والإسفيداج ويتنزه من عمل الصور والنقوش وينهى الصناع عن ذلك .
وحكى لي : أنه لما دخل إلى دار بعض السلاطين مكرها مع جملة من الصناع أنه أدخل إلى بيت في دار تعمر وكان في البيت صور من الإسفيداج مجسمة فقيل له : تعمل في هذا البيت ؟ فقال : نعم فلما خرجوا عنه وخلا بنفسه أخذ الفأس وعمد إلى الأداة التي تكون للصناع للعمل وكسر الصور كلها بها فلما جاء العرفاء ورأوا ما فعل : استعظموا ذلك منه وقيل له : كيف أقدمت على فعل هذا في دار هذا السلطان وقد أنفق على هذه مالا ؟ فقال : هذا منكر والله أمر بكسره والآن قد فعلت ما تعين علي من الإنكار أو كلاما هذا معناه فانتهى أمره إلى السلطان وقيل له : هذا رجل صالح مشهور بالديانة وهو من أصحاب ابن الفراء فقال : يخرج ولا يتكلم ولا يقال له أي شيء يضيق به صدره ولا يجاء به إلى عندنا فلما أخرج ترك عمل الجص ولازم المسجد يقرئ القرآن ويؤم الناس وكان له عقار قد ورثه عن أبيه فكان يبيع منه شيئا فشيئا يتقوت به .
وكان عفيفا لا يأخذ من أحد شيئا ولا يطلب ولا يسأل أحدا حاجة لنفسه من أمر الدنيا مقبلا على نفسه وشأنه مشتغلا بعبادة ربه كثير الصوم والصلاة .
وكان يذهب بنفسه في كل ليلة إلى دجلة ويحمل في كوز له الماء ليفطر عليه وبان من كراماته غير قليل . [ ص: 256 ]
أخبرني من أثق به من أصحابي : أنه كان لبعض أهله صبي صغير وأنه ظهر به وجع في حلقه ورقبته وخافوا على الصبي منه وأنه أخذه وحمله إلى هذا الشيخ الصالح رحمه الله فقرأ شيئا عليه من القرآن ونفث عليه من ريقه فزال ما كان بالصبي بإذن الله تعالى بعد يوم أو يومين ولم يحتج إلى علاج بعد هذا . أحمد
وكان هذا الشيخ ممن نفعه الله تعالى بصحبة الوالد السعيد .
وكان متواضعا يحمل ما يحتاج إليه من الخبز وغيره من حوائجه بنفسه ولا يستعين بأحد ممن يعرفه مسارعا إلى قضاء حوائج المسلمين عند الناس أجمعين .
وحج مرارا وزار النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فلما كان في شوال من سنة ثلاث وخمسمائة : خرج عازما على الحج فبلغنا في يوم الأحد ثامن عشر المحرم من سنة أربع وخمسمائة أنه وصل إلى عرفات يوم الثلاثاء ثامن ذي الحجة من سنة ثلاث وخمسمائة وكان قد وقع عن الجمل في الطريق دفعتين وكان معه بقية ألم من الوقوع وأنه شهد عرفة محرما يوم الأربعاء فتوفي عشية ذلك اليوم على جبال عرفات محرما فحمل إلى مكة وطيف به حول البيت ودفن في يوم النحر وهو يوم الخميس بمقبرة أهل مكة عند قبر الزاهد . الفضيل بن عياض
فكفاك بهذه الوفاة فضيلة وشرفا .
فلما صح ذلك عندنا : حصل النداء عليه وخصوا المسجد الجامع للصلاة عليه صلاة الغائب فحضر الناس وأصحاب دولة الإمام المستظهر بالله أمير المؤمنين أدام الله توفيقه وتقدم بعض أصحاب الوالد السعيد إماما للصلاة عليه وصليت أنا عليه في مسجدي بباب المراتب لعذر وصلى معي جماعة وكذلك صلي عليه في المسجد الجامع من الجانب الغربي .
وحكي لي أنه كان إذا حج زار القبور بمكة ويجيء إلى عند قبر ويخطط بعصاه الأرض ويقول : يا رب ههنا يا رب ههنا فاستجاب الله له رحمه الله وإيانا وجميع المسلمين . الفضيل [ ص: 257 ] بن عياض