930 - فأما الحديث الذي أخبرنا ، ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا الربيع بن سليمان المرادي عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي ، ثنا ، ثنا سليمان بن بلال ، قال : سمعت شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، رضي الله عنه يحدث حديثا عن ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من مسجد أنس بن مالك الكعبة ، أنه ثم أتى بطست من ذهب ، فيه تور من ذهب محشو إيمانا وحكمة ، فحشا صدره وجوفه وأعاده ثم أطبقه ، ثم عرج به إلى السماء الدنيا فضرب بابا من أبوابها فناداه أهل السماء : من هذا ؟ قال : هذا جبريل ، قالوا : ومن معك . قال : محمد . قالوا : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : فمرحبا به وأهلا ، يستبشر به أهل السماء لا يعلم أهل السماء ما يريد الله به في الأرض حتى يعلمهم ، فوجد في السماء الدنيا آدم ، فقال له جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه وهو نائم في المسجد الحرام ، فقال أولهم : أهو هو ؟ فقال أوسطهم : هو خيرهم . فقال آخرهم : خذوا خيرهم . فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى جاءوه ليلة أخرى فيما يرى قلبه والنبي صلى الله عليه وسلم تنام عينه ولا ينام قلبه ، وكذلك الأنبياء ، تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فلم يكلموه حتى احتملوه فوضعوه عند بئر زمزم ، فتولاه منهم جبريل عليه السلام فشق جبريل ما بين نحره إلى لبته ، حتى فرج عن صدره وجوفه ، وغسله من ماء زمزم ، حتى أنقى جوفه جبريل : هذا أبوك ، فسلم عليه . فسلم عليه فرد عليه ، وقال : مرحبا بك وأهلا يا بني ، فنعم الابن أنت . فإذا هو [ ص: 356 ] في السماء الدنيا بنهرين يطردان ، فقال : " ما هذان النهران يا جبريل ؟ " قال : هذان : النيل والفرات عنصرهما . ثم مضى به في السماء فإذا هو بنهر آخر عليه قصر من لؤلؤ وزبرجد ، فذهب يشم ترابه فإذا هو المسك ، فقال : " يا جبريل وما هذا النهر ؟ " قال : هذا الكوثر الذي خبأ لك ربك . ثم عرج به إلى السماء الثانية ، فقالت له الملائكة مثل ما قالت له في الأولى : من هذا معك ؟ قال : محمد . قالوا : وقد بعث إليه ؟ قال : نعم . قالوا : فمرحبا به وأهلا . ثم عرج به إلى السماء الثالثة ، فقالوا له مثل ما قالت في الأولى والثانية ثم عرج إلى السماء الرابعة ، فقالوا له مثل ذلك ، ثم عرج به إلى السماء الخامسة ، فقالوا له مثل ذلك . ثم عرج به إلى السماء السادسة ، فقالوا له مثل ذلك ثم عرج به إلى السماء السابعة فقالوا له مثل ذلك ، وكل سماء فيها أنبياء قد سماهم رضي الله عنه ، فوعيت منهم أنس إدريس في الثانية ، وهارون في الرابعة ، وآخر في الخامسة لم أحفظ اسمه ، وإبراهيم في السادسة ، وموسى في السابعة بفضل كلام الله تعالى ، فقال موسى عليه السلام : لم أظن أن يرفع إلي أحد ، ثم علا به فيما لا يعلم أحد إلا الله تعالى ، حتى جاء به سدرة المنتهى ، ودنا الجبار تبارك وتعالى فتدلى ، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فأوحى إليه ما شاء فيما أوحى خمسين صلاة على أمته كل يوم وليلة ، ثم هبط حتى بلغ موسى فاحتبسه ، فقال : يا محمد ، ما عهد إليك ربك ؟ قال : " عهد إلي خمسين صلاة على أمتي كل يوم وليلة " . قال : فإن أمتك لا تستطيع ، فارجع فليخفف عنك وعنهم . فالتفت إلى جبريل عليه السلام كأنه يستشيره في ذلك ، فأشار إليه أن نعم إن شئت . فعلا به جبريل عليه السلام حتى أتى به إلى الجبار تبارك وتعالى وهو مكانه ، فقال : " يا رب خفف عنا فإن أمتي لا تستطيع هذا " . فوضع عنه عشر صلوات ، ثم رجع إلى موسى عليه السلام ، فاحتبسه ، ولم يزل يرده موسى إلى ربه حتى صار إلى خمس صلوات ، ثم احتبسه عند الخامسة فقال : يا محمد ، قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذه الخمس فضيعوه وتركوه ، وأمتك أضعف [ ص: 357 ] أجسادا وقلوبا وأبصارا وأسماعا ، فارجع فليخفف عنك ربك . فالتفت إلى جبريل عليه السلام ليشير عليه ، فلا يكره ذلك جبريل ، فرفعه عند الخامسة فقال : " يا رب إن أمتي ضعاف أجسادهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم فخفف عنا " . فقال عز وجل : " إني لا يبدل القول لدي ، هي كما كتبت عليك في أم الكتاب ، ولك بكل حسنة عشرة أمثالها ، هي خمسون في أم الكتاب وهن خمس عليك " . فرجع إلى موسى عليه السلام ، فقال : كيف فعلت ؟ فقال : " خفف عنا ، أعطانا بكل حسنة عشر أمثالها " . قال : قد والله راودت بني إسرائيل على أدنى من هذا فتركوه فارجع فليخفف عنك أيضا . قال صلى الله عليه وسلم : " والله قد استحييت من ربي مما أختلف إليه " ، قال : فاذهب باسم الله . فاستيقظ وهو صلى الله عليه وسلم في المسجد الحرام .
رواه في الصحيح عن البخاري عبد العزيز بن عبد الله عن ، ورواه سليمان بن بلال عن مسلم ، عن هارون بن سعيد الأيلي ابن وهب ، ولم يسق متنه ، وأحال به على رواية ثابت عن رضي الله عنه . وليس في رواية أنس ثابت عن لفظ الدنو والتدلي ، ولا لفظ المكان . وروى حديث المعراج أنس عن ابن شهاب الزهري رضي الله عنه ، عن أنس بن مالك ، أبي ذر وقتادة ، عن ، ليس في حديث واحد منهما شيء من ذلك . وقد ذكر مالك بن صعصعة في روايته هذه ما يستدل به على أنه لم يحفظ الحديث كما ينبغي له من نسيانه ما حفظه غيره ، ومن مخالفته في مقامات الأنبياء الذين رآهم في السماء من هو أحفظ منه . وقال في آخر الحديث : شريك بن عبد الله بن أبي نمر " فاستيقظ وهو في المسجد " ومعراج النبي صلى الله عليه وسلم كان رؤية عين ، وإنما شق صدره كان وهو ، صلى الله عليه وسلم ، بين النائم واليقظان . ثم إن هذه القصة بطولها إنما هي حكاية حكاها شريك عن رضي الله عنه من تلقاء نفسه ، لم يعزها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا رواها عنه ، ولا أضافها إلى قوله . وقد خالفه فيما تفرد به منها أنس بن مالك عبد الله بن مسعود وعائشة رضي الله عنهم ، وهم أحفظ [ ص: 358 ] وأكبر وأكثر ، وروت وأبو هريرة عائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ما دل على أن قوله : وابن مسعود ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى المراد به جبريل عليه الصلاة والسلام في صورته التي خلق عليها . قال رحمه الله : " والذي قيل في هذه الآية أقوال ؛ أحدها : أنه دنا يعني أبو سليمان الخطابي جبريل عليه الصلاة والسلام من محمد صلى الله عليه وسلم . فتدلى أي : فقرب منه . وقال بعضهم : إن معنى قوله ثم دنا فتدلى على التقديم والتأخير ، أي تدلى ودنا ، وذلك أن التدلي سبب الدنو " أخبرنا بهذا القول ، ثنا أبو سعيد بن أبي عمرو ، ثنا أبو العباس الأصم ، قال : قال محمد بن الجهم الفراء : ثم دنا فتدلى يعني " قوله تبارك وتعالى : جبريل عليه الصلاة والسلام دنا من محمد صلى الله عليه وسلم حتى كان قاب قوسين أو أدنى أي قدر قوسين عربيتين أو أدنى ، فأوحى يعني جبريل عليه الصلاة والسلام إلى عبده إلى عبد الله محمد ما أوحى " قال الفراء : قوله : " فتدلى كان المعنى : ثم تدلى فدنا ، ولكنه جائز إذا كان معنى الفعلين واحدا أو كالواحد ، قدمت أيهما شئت فقلت : قد دنا فقرب ، وقرب فدنا ، وشتمني فأساء وأساء فشتمني . لأن الشتم والإساءة شيء واحد . وكذلك اقتربت الساعة وانشق القمر المعنى والله أعلم : انشق القمر واقتربت الساعة ، والمعنى واحد . قال قوله : وقال بعضهم : إنه تدلى يعني جبريل بعد الانتصاب والارتفاع حتى رآه النبي صلى الله عليه وسلم متدليا كما رآه منتصبا ، وكان ذلك من آيات قدرة الله سبحانه وتعالى حين أقدره على أن يتدلى في الهواء من غير اعتماد على شيء ولا تمسك [ ص: 359 ] بشيء . وقال بعضهم : معنى قوله : أبو سليمان : دنا يعني جبريل عليه الصلاة والسلام ، فتدلى محمد صلى الله عليه وسلم ساجدا لربه شكرا على ما أراه من قدرته ، وأناله من كرامته . قال ولم يثبت في شيء مما روي عن السلف أن التدلي مضاف إلى الله سبحانه وتعالى ، جل ربنا عن صفات المخلوقين ونعوت المربوبين المحدودين . قال أبو سليمان : وفي الحديث لفظة أخرى تفرد بها أبو سليمان : شريك أيضا لم يذكرها غيره ، وهي قوله : فقال وهو مكانه ، والمكان لا يضاف إلى الله سبحانه ، إنما هو مكان النبي صلى الله عليه وسلم ومقامه الأول الذي أقيم فيه .