وفي كل شيء له شاهد يدل على أنه واحد
فتقرب العبد بالإحسان ، وتقرب الحق بالامتنان ، يريد أنه الذي أدناه ، وتقرب العبد إليه بالتوبة والإنابة ، وتقرب الباري إليه بالرحمة والمغفرة ، وتقرب العبد إليه بالسؤال ، وتقربه إليه بالنوال ، وتقرب العبد إليه بالسر وتقربه إليه بالبشر ، لا من حيث توهمته الفرقة المضلة للأغمار والمتغابية بالإعثار . [ ص: 385 ] وقد قيل في معناه : إذا تقرب العبد إلي بما به تعبدته ، تقربت إليه بما له عليه وعدته . وقيل في معناه : إنما هو كلام خرج على طريق القرب من القلوب دون الحواس ، مع السلامة من العيوب على حسب ما يعرفه المشاهدون ، ويجده العابدون من أخبار دنو من يدنو منه ، وقرب من يقرب إليه ، فقال على هذه السبيل وعلى مذهب التمثيل ولسان التعليم بما يقرب من التفهيم ، إن قرب الباري من خلقه بقربهم إليه بالخروج فيما أوجبه عليهم ، وهكذا القول في الهرولة ، إنما يخبر عن سرعة القبول وحقيقة الإقبال ودرجة الوصول ، والوصف الذي يرجع إلى المخلوق مصروف على ما هو به لائق ، وبكونه متحقق ، والوصف الذي يرجع إلى الله سبحانه وتعالى يصرفه لسان التوحيد ، وبيان التجريد ، إلى نعوته المتعالية ، وأسمائه الحسنى . ولولا الإملال أحذره وأخشاه ، لقلت في هذا ما يطول دركه ، ويصعب ملكه ، والذي أقول في هذا الخبر وأشباهه من أخبار الرسول صلى الله عليه وسلم المنقولة على الصحة والاستقامة بالرواة الأثبات العدول ، وجوب التسليم ، ولفظ التحكيم ، والانقياد بتحقيق الطاعة ، وقطع الريب عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة النجباء الذين اختارهم الله تعالى له وزراء وأصفياء ، وخلفاء ، وجعلهم السفراء بيننا وبينه صلى الله عليه وسلم ، عن حق عداه أو عدوه ، وصدق تجاوزوه ، والناس ضربان : مقلدون وعلماء ، فالذين يقلدون أئمة الدين سبيلهم أن يرجعوا إليهم عند هذه الموارد ، والذين منحوا العلم ورزقوا الفهم هم الأنوار المستضاء بهم ، والأئمة المقتدى بهم ، ولا أعلمهم إلا الطائفة السنية ، والحمد لله رب العالمين .