الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1018 - أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن [ ص: 438 ] محمد بن محبور ، أنا الحسين بن محمد بن هارون ، أنا أحمد بن محمد بن نصر ، نا يوسف بن بلال ، نا محمد بن مروان ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، في قوله : وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وهم منافقو أهل الكتاب ، فذكرهم ، وذكر استهزاءهم  وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم على دينكم إنما نحن مستهزئون بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، يقول الله تعالى : الله يستهزئ بهم في الآخرة يفتح لهم باب في جهنم من الجنة ، ثم يقال لهم : تعالوا ، فيقبلون يسحبون في النار ، والمؤمنون على الأرائك وهي السرر في الحجال ينظرون إليهم ، فإذا انتهوا إلى الباب سد عنهم فيضحك المؤمنون منهم ، فذلك قول الله عز وجل : الله يستهزئ بهم في الآخرة ويضحك المؤمنون منهم حين غلقت دونهم الأبواب فذلك قوله : فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون على السرر في الحجال ينظرون إلى أهل النار هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون . وروينا في معنى هذا مختصرا عن خالد بن معدان ، وبلغني عن الحسين بن الفضل البجلي أنه قال : أظهر الله للمنافقين في الدنيا من أحكامه التي له عندهم خلافها في الآخرة ، كما أظهروا للنبي صلى الله عليه وسلم خلاف ما أضمروا من الكفر ، فسمى ذلك استهزءا بهم . وعن قطرب قال " الله يستهزئ بهم أي : يجازيهم جزاء [ ص: 439 ] الاستهزاء ،  وكذلك سخر الله منهم ، ومكروا ومكر الله ، وجزاء سيئة سيئة هي من المبتدي سيئة ومن الله جزاء ، وهو من الجزاء على الفعل بمثل لفظه ، ومثله قوله : فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ؛ فالعدوان الأول ظلم ، والثاني جزاء ، والجزاء لا يكون ظلما ؛ وكذلك قوله : نسوا الله فنسيهم قال عمرو بن كلثوم :

ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا "

وقال أبو الحسن بن مهدي فيما كتب إلي أبو نصر بن قتادة من كتابه : فيحتمل قوله : فنجهل فوق جهل الجاهلينا معنى فنعاقبه بأغلظ عقوبة ، فسمى ذلك جهلا ، والجهل لا يفتخر به ذو عقل ، وإنما قاله ليزدوج اللفظان فيكون ذلك أخف على اللسان من المخالفة بينهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية