[ ص: 56 ] باب جماع أبواب
أولها: الله، قال الله جل ثناؤه: ذكر الأسماء التي تتبع إثبات الإبداع والاختراع له الله خالق كل شيء .
26 - أخبرنا ، ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني أبو النضر ، ثنا ، عن سليمان بن المغيرة ثابت ، ، رضي الله عنه قال: كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يأتيه الرجل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع فأتاه رجل منهم فقال: يا أنس محمد أتانا رسولك فزعم أنك تزعم أن الله أرسلك قال: "صدق" قال: فمن خلق السماء؟ قال: "الله"، قال: فمن خلق الأرض؟ قال: "الله" قال: فمن نصب هذه الجبال؟ [ ص: 57 ] قال: "الله" قال: فمن جعل فيها هذه المنافع قال: "الله" قال: فبالذي خلق السماء والأرض، ونصب الجبال، وجعل فيها هذه المنافع آلله أرسلك؟ قال: "نعم"، قال: وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال: "صدق"، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم"، قال: وزعم رسولك أن علينا صدقة في أموالنا قال: "صدق"، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟، قال: "نعم" قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر في سنتنا قال: "صدق" قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم"، قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا، قال: "صدق" قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: "نعم" قال: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن، فلما مضى قال صلى الله عليه وسلم: "لئن صدق ليدخلن الجنة" عن رواه في الصحيح عن مسلم عن عمرو الناقد ، قال أبي النضر ورواه البخاري: ، موسى بن إسماعيل وعلي بن عبد الحميد عن سليمان قال في الحليمي : إنه الإله، وهذا أكبر الأسماء وأجمعها للمعاني، والأشبه أنه كأسماء الأعلام موضوع غير مشتق، ومعناه القديم التام القدرة، فإنه إذا كان سابقا لعامة الموجودات كان وجودها به، وإذا كان تام القدرة أوجد المعدوم، وصرف ما يوجده على ما يريده، فاختص لذلك باسم الإله، ولهذا لا يجوز أن يسمى بهذا الاسم أحد سواه بوجه من الوجوه، قال: ومن قال الإله هو المستحق للعبادة، فقد رجع قوله إلى أن الإله إذا كان هو القديم التام القدرة كان كل موجود سواه صنيعا له، والمصنوع إذا علم صانعه كان حقا عليه أن يستخذي له بالطاعة ويذل له بالعبودية، لا أن هذا المعنى بتفسير هذا الاسم قلت: وهذا الاستحقاق لا يوجب على تاركه إثما ولا عقابا ما لم يؤمر به، قال الله عز وجل: معنى "الله" وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ، والمعنى الأول أصح قال - رحمه الله - فيما أخبرت عنه اختلف الناس، هل هو اسم موضوع أو مشتق؟ فروي [ ص: 58 ] فيه عن أبو سليمان الخطابي الخليل روايتان إحداهما أنه اسم علم ليس بمشتق، فلا يجوز حذف الألف أو اللام منه، كما يجوز من الرحمن الرحيم، وروى عنه سيبويه أنه اسم مشتق، فكان في الأصل إلاه مثل فعال، فأدخل الألف واللام بدلا من الهمزة وقال غيره: أصله في الكلام إله وهو مشتق من أله الرجل يأله إليه إذا فزع إليه من أمر نزل به، فآلهه أي أجاره وآمنه، فسمي إلاها كما يسمى الرجل إماما إذا أم الناس فأتموا به، ثم إنه لما كان اسما لعظيم ليس كمثله شيء أرادوا تفخيمه بالتعريف الذي هو الألف واللام، لأنهم أفردوه بهذا الاسم دون غيره فقالوا: الإله، واستثقلوا الهمزة في كلمة يكثر استعمالهم إياها، وللهمزة في وسط الكلام ضغطة شديدة، فحذفوها فصار الاسم كما نزل به القرآن وقال بعضهم: أصله ولاه فأبدلت الواو همزة فقيل: إله كما قالوا: وسادة وإسادة، ووشاح وإشاح واشتق من الوله لأن قلوب العباد توله نحوه، كقوله سبحانه: ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون وكان القياس أن يقال: مألوه كما قيل: معبود إلا أنهم خالفوا به البناء ليكون اسما علما، فقالوا: إله كما قيل للمكتوب كتاب، وللمحسوب حساب، وقال بعضهم: أصله من أله الرجل يأله إذا تحير، وذلك لأن القلوب تأله عند التفكر في عظمة الله سبحانه وتعالى، أي تتحير وتعجز عن بلوغ كنه جلاله، وحكى بعض أهل اللغة أنه من أله يأله إلاهة بمعنى عبد يعبد عبادة وروي عن رضي الله عنهما أنه كان يقرأ ابن عباس ويذرك وآلهتك أي عبادتك، قال: والتأله التعبد، فمعنى الإله: المعبود، وقول الموحدين: لا إله إلا الله معناه لا معبود غير الله، وإلا في الكلمة بمعنى غير لا بمعنى الاستثناء وزعم بعضهم أن الأصل فيه الهاء التي هي الكناية عن الغائب، وذلك لأنهم أثبتوه موجودا في فطر عقولهم، فأشاروا إليه بحرف الكناية، ثم زيدت فيه لام الملك، إذ قد علموا أنه خالق الأشياء ومالكها، فصار "له" ثم زيدت الألف واللام تعظيما، وفخموها توكيدا لهذا المعنى، ومنهم من أجراه على الأصل [ ص: 59 ] بلا تفخيم، فهذه مقالات أصحاب العربية والنحو في هذا الاسم، وأحب هذه الأقاويل إلي قول من ذهب إلى أنه اسم علم، وليس بمشتق كسائر الأسماء المشتقة والدليل على أن الألف واللام من بنية هذا الاسم ولم تدخلا للتعريف دخول حرف النداء عليه كقولك يا ألله، وحروف النداء لا تجتمع مع الألف واللام للتعريف، ألا ترى أنك لا تقول: يا الرحمن ويا الرحيم كما تقول يا ألله، فدل على أنه من بنية الاسم والله أعلم.