الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 560 ] باب قول الله عز وجل لله الأمر من قبل ومن بعد  قول الله عز وجل: لله الأمر من قبل ومن بعد وهذا كله وإن كان نزوله على سبب خاص فظاهره يدل على أن أمره قبل كل شيء سواه ، ويبقى بعد كل شيء سواه ، وما هذا صفته لا يكون إلا قديما ، وقوله تعالى: ولولا كلمة سبقت من ربك وقوله عز وجل: لولا كتاب من الله سبق وقوله جل وعلا: ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون ، والسبق على الإطلاق يقتضي سبق كل شيء سواه ، وقوله تعالى: حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون يعني - والله أعلم - إنا سميناه - يريد كلامه - قرآنا عربيا ، وأفهمناكموه بلغة العرب لعلكم تعقلون وهو كقوله: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أي سموهم، وقوله: أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه أي سموا له شركاء ثم إن الله تعالى نفى عن كلامه الحدث بقوله: وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم فأخبر أنه كان موجودا مكتوبا قبل الحاجة إليه في أم الكتاب ، وقوله عز وجل: بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ فأخبر أن القرآن كان في اللوح المحفوظ يريد مكتوبا فيه ، وذلك قبل الحاجة إليه ، وفيه ما فيه من الأمر والنهي والوعد والوعيد ، والخبر والاستخبار ، وإذا ثبت أنه كان موجودا قبل الحاجة إليه ثبت أنه لم يزل كما كان ، وقوله تعالى: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون يريد به ذكر القرآن لهم وتلاوته عليهم وعلمهم به ، فكل ذلك محدث، [ ص: 561 ] والمذكور المتلو المعلوم غير محدث كما أن ذكر العبد لله عز وجل محدث والمذكور غير محدث، وقوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر يريد به - والله أعلم - إنا أسمعناه الملك وأفهمناه إياه وأنزلناه بما سمع فيكون الملك منتقلا به من علو إلى سفل ، وقوله تبارك وتعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ، يريد به حفظ رسومه وتلاوته ، وقوله: وأنزلنا الحديد والحديد جسم لا يستحيل عليه الإنزال ، ويجوز أن يكون ابتداء خلقه وقع في علو ، ثم نقل إلى سفل ، فأما الإنزال بمعنى الخلق فغير معقول ، وأما النسخ والإنشاء والنسيان والإذهاب ، والترك والتبعيض ، فكل ذلك راجع إلى التلاوة أو الحكم المأمور به، وبالله التوفيق.

التالي السابق


الخدمات العلمية