الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
884 - كما أخبرنا أبو علي الروذباري ، أنا أبو بكر بن داسة ، ثنا أبو داود ، ثنا عبد الأعلى بن حماد ، ومحمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، وأحمد بن سعيد الرباطي ، قالوا : ثنا وهب بن جرير ، قال أحمد : كتبته من نسخته ، وهذا لفظه ، فذكر نحو إسناد أبي الأزهر إلا أنه قال : جهدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت المواشي . وقال في الجواب : " إن عرشه على سماواته لهكذا ، وقال بأصابعه : مثل القبة عليه ، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب " . قال : وقال ابن بشار في حديثه : إن الله عز وجل فوق عرشه ، وعرشه فوق سماواته ،  وساق الحديث . وقال عبد الأعلى ، وابن المثنى ، وابن بشار ، عن يعقوب بن عتبة ، وجبير بن محمد بن جبير ، عن أبيه ، عن جده . قال أبو داود : والحديث بإسناد حديث أحمد بن سعيد هو الصحيح ، وافقه عليه جماعة . قال : ورواه جماعة عن ابن إسحاق كما قال أحمد أيضا ، وكان سماع عبد الأعلى ، وابن المثنى ، وابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني . قلت : إن كان لفظ الحديث على ما رواه أحمد بن سعيد الرباطي ، وتابعه عليه يحيى بن معين وجماعة ، فالتشبيه بالقبة إنما وقع للعرش ، وروايته في رواية يحيى بن معين : " أتدري ما الله ؟ إن عرشه على سماواته وأرضيه لهكذا بأصابعه مثل القبة عليها " . وكذلك رواه يعقوب بن سفيان الفارسي عن محمد بن يزيد الواسطي عن وهب بن جرير . وهذا حديث ينفرد به محمد بن إسحاق بن يسار ، عن يعقوب بن عتبة ، وصاحبا الصحيح لم يحتجا به ، إنما استشهد مسلم بن الحجاج بمحمد بن [ ص: 320 ] إسحاق في أحاديث معدودة ، أظنهن خمسة قد رواهن غيره ، وذكره البخاري في الشواهد ذكرا من غير رواية ، وكان مالك بن أنس لا يرضاه ، ويحيى بن سعيد القطان لا يروي عنه ، ويحيى بن معين يقول : ليس هو بحجة ، وأحمد بن حنبل يقول : يكتب عنه هذه الأحاديث يعني المغازي ونحوها فإذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما هكذا يريد أقوى منه فإذا كان لا يحتج به في الحلال والحرام فأولى أن لا يحتج به في صفات الله سبحانه وتعالى ، وإنما نقموا عليه في روايته عن أهل الكتاب ، ثم عن ضعفاء الناس وتدليسه أساميهم ، فإذا روى عن ثقة وبين سماعه منهم فجماعة من الأئمة لم يروا به بأسا ، وهو إنما روى هذا الحديث عن يعقوب بن عتبة ، وبعضهم يقول عنه وعن جبير بن محمد بن جبير ، ولم يبين سماعه منهما ، واختلف عليه في لفظه كما ترى . وقد جعله أبو سليمان الخطابي ثابتا ، واشتغل بتأويله ، فقال : " هذا الكلام إذا أجري على ظاهره كان فيه نوع من الكيفية ، والكيفية عن الله تعالى وعن صفاته منفية ، فعقل أن ليس المراد منه تحقيق هذه الصفة ، ولا تحديده على هذه الهيئة ، وإنما هو كلام تقريب ، أريد به تقرير عظمة الله وجلاله جل جلاله سبحانه ، وإنما قصد به إفهام السائل من حيث يدركه فهمه ، إذا كان أعرابيا جلفا ، لا علم له لمعاني ما دق من الكلام ، وما لطف منه من درك الأفهام ، وفي الكلام حذف وإضمار ، فمعنى قوله : " أتدري ما الله ؟ " . فمعناه : أتدري ما عظمته وجلاله ؟ وقوله : " إنه ليئط به " . معناه : إنه ليعجز عن جلاله وعظمته ، حتى يئط به إذ كان معلوما أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه ، ولعجزه عن احتماله ، فقرر بهذا النوع من التمثيل عنده معنى عظمة الله وجلاله وارتفاع عرشه ، ليعلم أن الموصوف بعلو الشأن وجلالة القدر ، وفخامة الذكر ، لا يجعل شفيعا إلى من هو دونه في القدر ، وأسفل منه في الدرجة ، وتعالى الله أن يكون مشبها بشيء أو مكيفا بصورة خلق ، أو مدركا بحس : ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " .

[ ص: 321 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية