[ ص: 3 ] بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآله وصحبه .. قال الإمام الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل أدام الله توفيقه ] :
الحمد لله محيي الأموات، وسامع الأصوات، ومقدر الأقوات، وفاطر الأرض والسماوات عالم السر [والنجوى] ، وكاشف الضر والبلوى. مدبر الأمور بقدرته، ومنزل القطر برحمته. ومنشئ الخلق بحكمته.
ابتعث محمدا صلى الله عليه وسلم بنبوته، وائتمنه على رسالته، وجعله مهيمنا على رسله، أرسله على حين فترة من الرسل، واختلاف من الملل، إلى قوم يعبدون ما ينحتون، والله خلقهم وما يعملون، فصدع بأمر ربه وبلغ بما تحمل رسالته حتى أتاه اليقين، وظهر أمر الله وهم كارهون [ ص: 4 ] .
صلى الله عليه وسلم، وعلى آله صلاة دائمة طيبة زكية ، والحمد لله الذي عمد كل حين وزمان بعلماء وحفاظ، وأولياء وزهاد، وجعل كونهم في حياتهم سبب نجاة الخلق والأمان، وجعل ذكرهم بعد مماتهم سبب الرحمة والغفران.
فقد ورد في الأثر : وروي عن عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة. أحمد بن مهران قال : كنت أماشي أبا مسعود الرازي في سوق أصبهان، [ ص: 5 ] فتذاكرنا فضائل فقال سفيان الثوري أبو مسعود : أرجو أن الله يغفر لنا بذكر فضائل سفيان.
قال الشيخ حفظه الله: وأنا أقول: ونحن نرجو أن يغفر الله لنا بذكر من ذكرناهم في هذا الكتاب من السادة الأخيار والعباد الأبرار.
قال الشيخ الإمام (رحمه الله) : قد اقترح علي جماعة "من أهل العلم"، أن أملي عليهم في ذكر سير السلف وأحوالهم كتابا مختصرا، أحذف منه أكثر أسانيده؛ طلبا للتخفيف، وكان من قبلنا من العلماء صنفوا في هذا المعنى، فصنف بعضهم تاريخ المحدثين، وبعضهم تاريخ الصوفية والعارفين، وبعضهم تاريخ طبقات أهل العلم، فصنفت أنا هذا الكتاب، وسميته كتاب "سير السلف"، وبدأت بذكر جماعة من مشاهير الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، على حروف المعجم بعد ذكر العشرة، ثم بذكر جماعة من التابعين المعروفين بالزهد والورع، ثم بجماعة من أتباع التابعين، ثم بتبع الأتباع، وتركت جماعة لم أذكرهم إيثارا للتخفيف، أو غفلة عنهم، وحين أردت أن أختم الكتاب تأملت في أحوال [ ص: 6 ] القوم، فرأيت أن أجعل آخره ذكر الشيخ الإمام أبي عبد الله بن منده ، ثم نظرت إلى أحوال العارفين، وأهل التصوف فأردت أن أختمه بالشيخ أبي منصور معمر (رحمه الله)، ثم عرض لي حال والدي (رحمه الله) في الورع، وولوع الولد بحسن ذكر الوالد، فرأيت أن أختمه بذكره، فختمت الكتاب بهؤلاء [الثلاثة ] جميعا، فلم أر بعد أبي عبد الله بن منده من يقاربه في الحفظ والإتقان، ولا مثل أبي منصور معمر في الزهد وقوة الحال، ولا مثل والدي في الورع والأمانة؛ فجمعت بينهم وختمت الكتاب بذكرهم، وفقنا الله للاقتداء بمناهجهم والاستضاءة بسراجهم، إنه فعال لما يريد.