الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

روي عن أبي زميل الحنفي ، عن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنه، قال: لما اعتزلت الحرورية، قلت: يا أمير المؤمنين، آت هؤلاء القوم فأكلمهم؟ قال: إني أتخوفهم عليك، قلت: كلا إن شاء الله، ولبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية، ثم دخلت عليهم وهم قائلون في حر الظهيرة، فدخلت على قوم لم أر قط أشد اجتهادا منهم، أيديهم كأنها ثقر الإبل، ووجوههم معلنة من أثر السجود، قال: فدخلت، فقالوا [ ص: 486 ] :

مرحبا بك يا ابن عباس ، ما جاء بك؟ قلت: جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل الوحي وهم أعلم بتأويله،
 فقال بعضهم: لا تحدثوه وقال بعضهم: لنحدثنه، فقلت لهم: أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وختنه، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه، قالوا: ننقم عليه ثلاثا، قلت: وما هن؟ قال: أولهن أنه حكم الرجال في دين الله، وقد قال الله تعالى: إن الحكم إلا لله قلت: وماذا؟ قالوا: قاتل ولم يسب، ولم يغنم، لئن كانوا كفارا، لقد حلت له أموالهم، ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم، قلت: وماذا؟ قالوا: ومحا نفسه من أمير المؤمنين، فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين، قلت: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم، وحدثتكم من سنن نبيكم صلى الله عليه وسلم ما لا تنكرون، أترجعون؟ قالوا: نعم، قلت: أما قولكم إنه حكم الرجال في دين الله، فإن الله تعالى يقول: يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم . . . . إلى قوله. . . يحكم به ذوا عدل منكم وقال في المرأة وزوجها: وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أنشدكم الله أفتحكيم الرجال في حقن دمائهم، وأنفسهم، وصلاح ذات بينهم أحق أم [ ص: 487 ] في أرنب ثمنها ربع درهم؟ قالوا: اللهم في حقن دمائهم، وصلات ذات بينهم، قال: أأخرجته من هذه؟ قالوا: اللهم نعم.

وأما قولكم إنه قاتل ولم يسب ولم يغنم، أتسبون أمكم أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها؟ فإن قلتم نعم فقد كفرتم، وإن قلتم إنها ليست أمكم فقد كفرتم وخرجتم من الإسلام.

إن الله عز وجل يقول: النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأنتم تترددون بين ضلالتين، فاختاروا أيتهما شئتم، أأخرجته من هذه؟ قالوا: اللهم نعم.

وأما قولكم: محا نفسه من أمير المؤمنين، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا قريشا يوم الحديبية على أن يكتب بينه وبينهم كتابا، فقال: اكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله، فقال: "والله إني لرسول الله، وإن كذبتموني أنتم، اكتب يا علي محمد بن عبد الله" .

فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أفضل من علي ، أأخرجته من هذه؟ قالوا: اللهم نعم.

فرجع منهم عشرون ألفا، وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا [ ص: 488 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية