109 - ذكر عمير بن سعد الأنصاري رضي الله عنه
يقال: إنه نسيج وحده، استعمله رضي الله عنه على عمر بن الخطاب حمص.
قال أهل التاريخ: هو عمير بن سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن عوف ، وكان أبوه سعد شهد بدرا، وهو سعد القارئ الذي جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال أهل الكوفة: سعد هو أبو زيد ، وقيل: عمير بن سعد هو من بني أمية، ابن زيد ، نزل فلسطين ومات بها، كان من زهاد العمال [ ص: 604 ] .
قيل: ولي لعمر على حمص سنة، ثم أشخصه فقدم عليه المدينة، فجدد عهده فامتنع عليه وأبى أن يلي له أو لأحد بعده.
رضي الله عنه يقول: وددت أن لي رجلا مثل عمر عمير أستعين به في أعمال المسلمين. وكان
روي عن عبد الملك بن هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن جده ، أن عمير بن سعد الأنصاري ، رضي الله عنه بعثه رضي الله عنه عاملا على عمر بن الخطاب حمص، فمكث حولا لا يأتيه خبره، فقال رضي الله عنه لكاتبه: اكتب إلى عمر عمير ، فوالله ما أراه إلا خاننا: إذا جاءك كتابي هذا فأقبل، وأقبل بما جبيت من فيء المسلمين حين تنظر في كتابي هذا، قال: فأخذ عمير جرابه فجعل فيه رداءه وقصعة، وأخذ عنزته، ثم أقبل يمشي من حمص حتى دخل المدينة، فقدم وقد شحب لونه، واغبر وجهه، وطالت شعرته، فدخل على رضي الله عنه، وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، فقال عمر رضي الله عنه: ما شأنك؟ فقال عمر عمير: ما ترى من شأني، ألست تراني صحيح البدن، ظاهر الدم، معي الدنيا أجرها بقرنها؟ قال: وما معك؟ فظن أنه قد جاء بمال ، [ ص: 605 ] فقال: معي جرابي أجعل فيه زادي، وقصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثيابي، وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي، وعنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدوا إن عرض لي، فوالله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي. عمر
قال رضي الله عنه: فجئت تمشي؟ قال: نعم، قال: أما كان لك أحد يتبرع لك بدابة تركبها؟ قال: ما فعلوا وما سألتهم ذلك، فقال عمر رضي الله عنه: بئس المسلمون خرجت من عندهم، فقال له عمر عمير: اتق الله يا ، قد نهاك الله عن الغيبة، وقد رأيتهم يصلون صلاة الغداة، قال عمر رضي الله عنه: ولئن بعثتك، وأي شيء صنعت؟ قال: وما سؤالك يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: سبحان الله، فقال عمير: لولا أني أخشى أن أغمك ما أخبرتك، بعثتني حتى أتيت البلد، فجمعت صلحاء أهلها فوليتهم جباية فيئهم حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه، ولو نالك منه شيء لآتيتك به، قال: فما جئتنا بشيء؟ قال: لا، قال: جددوا لعمير عهدا، فقال: إن ذلك لشيء ما عملت لك، ولا لأحد بعدك، والله ما سلمت بل لم أسلم، لقد قلت لنصراني: أخزاك الله!! فهذا ما عرضتني له يا عمر، وإن أشقى أيامي يوم خلفت معك يا عمر، واستأذنه فأذن له، فرجع إلى منزله وبينه وبين عمر المدينة أميال، فقال عمر حين انصرف عمير: ما أراه إلا قد خاننا، فبعث إليه رجلا يقال له: الحارث، وأعطاه مائة دينار، وقال له: انطلق إلى عمير حتى تنزل به كأنك ضيف فإن رأيت أثر شيء فأقبل، وإن رأيت حالا شديدا فادفع هذه المائة الدينار إليه، فانطلق الحارث، فإذا هو بعمير جالس يفلي قميصه إلى جنب الحائط، فسلم عليه الرجل ، [ ص: 606 ] فقال له عمير: انزل رحمك الله فنزل، ثم سأله فقال: من أين جئت؟ قال: من المدينة، فقال: كيف تركت أمير المؤمنين؟ قال: صالحا، قال: كيف تركت المسلمين؟ قال: صالحين، قال: أليس يقيم الحد؟ قال: بلى، ضرب ابنا له أتى فاحشة فمات من ضربه، فقال عمير: اللهم أعنه، فإني لا أعلمه إلا شديدا حبه لك، قال: فنزل به ثلاثة أيام، وليس لهم إلا قراضة من شعير كانوا يخصونه بها ويطوون حتى أتاهم الجهد، فقال له عمير: إنك قد أجعتنا، فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل، قال: فأخرج الدنانير فدفعها إليه، وقال: بعث بها أمير المؤمنين إليك، فاستعن بها، فصاح وقال: لا حاجة لي فيها ردها، فقالت له امرأته: إن احتجت إليها وإلا فضعها مواضعها، فقال لها عمير: والله، مالي شيء أجعلها فيه، فشقت امرأته أسفل درعها فأعطته خرقة فجعلها فيها، ثم خرج فقسمها بين أبناء الشهداء، والفقراء، ثم رجع والرسول يظن أنه يعطيه منها شيئا، فقال له عمير: أقرأ مني أمير المؤمنين السلام، فرجع الحارث إلى رضي الله عنه، فقال: ما رأيت؟ قال: رأيت يا أمير المؤمنين حالا شديدا، قال: فما صنع بالدنانير؟ قال: لا أدري، فكتب إليه عمر: إذا جاءك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تقبل، قال: فأقبل إلى عمر فدخل عليه، فقال له عمر: ما صنعت بالدنانير؟ قال: صنعت ما صنعت وما سؤالك عنها؟ [ ص: 607 ] قال: أشهد عليك لتخبرني ما صنعت بها. عمر
قال: قدمتها لنفسي، قال: رحمك الله، وأمر له بوسق من طعام وثوبين، فقال: أما الطعام فلا حاجة لي فيه، وقد تركت في المنزل صاعين من شعير إلى أن آكل ذلك، وقد جاء الله بالرزق، ولم يأخذ الطعام، وأما الثوبان، فقال: إن أم فلان عارية فأخذهما ورجع إلى منزله، فلم يلبث أن هلك، رحمه الله، فبلغ ذلك فشق عليه وترحم عليه، فخرج يمشي، ومعه المشاءون إلى عمر بقيع الغرقد، فقال لأصحابه: ليتمن كل رجل منكم أمنية.
فقال رجل: وددت يا أمير المؤمنين أن عندي مالا، فأعتق لوجه الله تعالى كذا وكذا، وقال آخر: وددت لو أن عندي مالا فأنفق في سبيل الله، وقال آخر: وددت لو أن لي قوة فأمتح بدلو زمزم لحجاج بيت الله، وقال رضي الله عنه: وددت أن لي رجلا مثل عمر أستعين به في أعمال المسلمين [ ص: 608 ] . عمير بن سعد