الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في ذكر إسلام عمر رضي الله عنه  

أخبرنا عمر بن أحمد السمسار ، أخبرنا أبو بكر بن أبي علي ، حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، وعلي بن سعيد الرازي ، قالا: حدثنا الحسن بن الصباح البزار ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني ، حدثنا أسامة بن زيد بن أسلم ، عن أبيه، عن جده، قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تحبون أن أخبركم ببدء إسلامي؟ قلنا: نعم.

قال: كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما أنا في يوم حار شديد الحر بالهاجرة في بعض طرق مكة، إذ لقيني رجل من قريش، فقال: أين تريد يا ابن الخطاب؟ قلت: أريد ذاك الرجل الذي غير الدين، فقال: عجبا لك يا ابن الخطاب ، تزعم هكذا، وقد دخل عليك من هذا الأمر في بيتك، قلت: وما ذاك؟ قال: أختك قد أسلمت، قال: فرجعت مغضبا حتى قرعت الباب، قال: وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أسلم الرجل أو الرجلان ممن لا شيء عندهما ضمهما إلى رجل بيده قوة فيكونان معه ويصيبان من فضل طعامه، وقد كان ضم إلى زوج أختي رجلين، فلما قرعت الباب، قيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب ، فبادر القوم، وتواروا مني، وقد كانوا يقرؤون صحيفة بين أيديهم فنسوها وتركوها وسط البيت، فقامت أختي ففتحت الباب، فقلت: يا عدوة نفسها صبوت، وضربتها بشيء في يدي [ ص: 95 ] على رأسها فسال الدم، فلما رأت الدم، بكت وقالت: يا ابن الخطاب ما كنت فاعلا فافعل، فقد أسلمت، فدخلت مغضبا حتى جلست على السرير، فنظرت إلى الصحيفة وسط البيت، فقلت: ما هذه الصحيفة؟ أعطنيها، فقالت: لست من أهلها؛ أنت لا تغتسل من الجنابة ولا تتوضأ وهذا لا يمسه إلا المطهرون.

فلم أزل بها حتى أعطتنيها فنظرت فيها فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم فلما قرأت الرحمن الرحيم ذعرت من ذلك، فألقيت الصحيفة ثم رجعت إلى نفسي فأخذتها فإذا فيها سبح لله ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم فكلما مر بي اسم من أسماء الله ذعرت منه، ثم ترجع إلي نفسي حتى بلغت. . آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله، فلما سمع القوم خرجوا إلي مبادرين فكبروا ثم قالوا: أبشر يا ابن الخطاب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا في يوم الاثنين، فقال: "اللهم أعز دينك بأحب الرجلين إليك، إما أبي جهل ، وإما عمر بن الخطاب" رضي الله عنه، وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك، قلت: أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما عرفوا مني الصدق وأخبروني [ ص: 96 ] بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو في بيت في أسفل الصفا فرحت حتى قرعت الباب، فقيل: من هذا؟ فقلت: ابن الخطاب ، وقد علموا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يعلموا بإسلامي فما اجترأ رجل منهم يفتح لي الباب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "افتحوا له فإن يرد الله به خيرا يهده"، ففتحوا لي الباب وأخذ رجلان بعضدي حتى جاءا بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "خلوه"، فخلوا عني، فجلست بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بمجمع قميصي، ثم جبذني إليه، ثم قال: "أسلم يا ابن الخطاب ، اللهم اهده"، فقلت أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.

فكبر المسلمون تكبيرة بطرق مكة، وقد كانوا مستخفين، ثم خرجت، فكنت لا أشاء أرى رجلا من المسلمين إذا أسلم يجتمع عليه فيضرب ولا يصيبني من ذلك شيء، فقلت: ما هذا بشيء، فجئت إلى خالي، فكان شريفا، فقرعت عليه الباب، فقلت: أعلمت أني صبوت؟ قال: وفعلت؟ قلت: نعم.

قال: لا تفعل.

قلت: قد فعلت.

قال: لا تفعل، فدخل فأجاف الباب دوني فذهبت إلى رجل من عظماء قريش أيضا فقرعت عليه بابه، فقيل: من هذا؟ فقلت: ابن الخطاب.

فخرج إلي، [ ص: 97 ] فقلت له مثل مقالتي لخالي.

أما علمت أني صبوت؟ فقال: أفعلت؟ قلت: نعم.

قال: لا تفعل، قلت: قد فعلت، فدخل فأجاف الباب دوني، فقلت: ما هذا بشيء، فقال لي رجل: أتحب أن تظهر إسلامك؟ قلت: نعم، قال: فإذا اجتمع الناس في الحجر فأت فلانا، لرجل لم يكتم السر، فقل له فيما بينك وبينه، فإنه سيظهر عليك فلما اجتمع الناس في الحجر جئت إلى ذلك الرجل فأصغيت إليه فيما بيني وبينه، فقلت: أعلمت أني صبوت؟ قال: صبوت؟ قلت: نعم.

فرفع بأعلى صوته: ألا إن ابن الخطاب قد صبأ، فثار إلي الناس فضربوني وضربتهم، فقال خالي: ما هذه الجماعة؟ قيل: ابن الخطاب قد صبأ.

فقام على الحجر، ثم أشار بكمه ألا إني أجرت ابن أختي فانكشف الناس عني، فكنت لا أزال أرى إنسانا يضرب ولا يصيبني من ذلك شيء، فقلت: ليس هذا بشيء حتى يصيبني ما يصيب الناس وأضرب كما يضربون، فأتيت خالي والناس مجتمعون في الحجر، فقلت: يا خال، فقال: ما تشاء يا ابن أختي، قلت: أشاء أن جوارك عليك رد، قال: لا تفعل يا ابن أختي، قلت: جوارك عليك رد، قال: لا تفعل، قلت: بلى، قال: فما شئت، فما زلت أضرب الناس ويضربوني حتى أعز الله الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم
[ ص: 98 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية