الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل قال علي بن زيد: قال سعيد بن المسيب: قد بلغت ثمانين سنة وما شيء أخوف عندي من النساء، وكان بصره قد ذهب.  

وعن كثير بن المطلب بن أبي وداعة ، قال: كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أياما فلما جئته قال: أين كنت؟ قلت: توفيت أهلي فاشتغلت بها، فقال: ألا أخبرتنا فشهدناها؟ قال: ثم أردت أن أقوم فقال: هل استحدثت امرأة؟ فقلت: يرحمك الله، ومن يزوجني، وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة؟ فقال: أنا.

فقلت: وتفعل؟ قال: نعم.

ثم تحمد وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني على درهمين أو ثلاثة، قال: فقمت، وما أدري ما أصنع من الفرح، فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر ممن آخذ وممن أستدين، فصليت المغرب وانصرفت إلى منزلي وكنت وحدي صائما، فقدمت عشائي أفطر، وكان خبزا وزيتا، فإذا بابي يقرع، فقلت من هذا؟ قال: سعيد.

ففكرت في كل إنسان اسمه [ ص: 776 ] سعيد إلا سعيد بن المسيب ، فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد، فقمت فخرجت فإذا سعيد بن المسيب ، فظننت أنه قد بدا له فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلت إلي فأتيتك، قال: لا، أنت أحق أن تؤتى، قلت: فما تأمرنا يا أبا محمد؟ قال: إنك كنت رجلا عزبا فتزوجت، وكرهت أن أبيتك الليلة وحدك، وهذه امرأتك فإذا هي قائمة من خلفه في طوله ثم أخذ بيدها فدفعها في البيت ورد الباب، فسقطت المرأة من الحياء فاستوثقت من البيت ثم تقدمتها إلى القصعة التي فيها الخبز والزيت فوضعتها في ظل السراج لكيلا تراه ثم صعدت إلى السطح فرميت الجيران فجاءوني فقالوا: ما شأنك؟ قلت: زوجني سعيد بن المسيب بنته اليوم وقد جاء بها على غفلة.  

فقالوا: سعيد بن المسيب زوجك قلت: نعم، وها هي في الدار، قال: فنزلوا إليها وبلغ أمي فجاءت، فقالت: وجهي في وجهك حرام إن أمسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام، قال: فأقمت ثلاثا ثم دخلت فإذا هي أجمل النساء وأحفظ الناس لكتاب الله وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعرفهم بحق الزوج، قال: فمكثت شهرا لا يأتيني سعيد ولا آتيه، فلما كان قرب الشهر أتيت سعيدا ، وهو في حلقة فسلمت عليه فرد علي السلام ولم يكلمني حتى تقوض أهل المجلس فلما لم يبق غيري، قال: ما حال ذلك الإنسان؟ [ ص: 777 ] قلت: خيرا يا أبا محمد ، على ما يحب الصديق ويكره العدو وقال: إن رابك شيء فالعصا.

وقال عبد الله بن سليمان: خطب عبد الملك بن مروان بنت سعيد بن المسيب على ابنه حين ولاه العهد فأبى  سعيد أن يزوجه فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد وصب عليه جرة ماء وألبسه جبة صوف.

وقال يحيى بن سعيد: مات سعيد بن المسيب وترك ألفين أو ثلاثة آلاف دينار، وقال: ما تركتها إلا لأصون بها ديني وحسبي.  

التالي السابق


الخدمات العلمية