الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في ذكر ما روي عن علي رضي الله عنه في فضل أبي بكر ، وعمر رضي الله عنهما  

روي عن شباك ، قال: بلغ عليا أن ابن السوداء ينتقص أبا بكر ، وعمر ، فدعا به، ودعا له بالسيف، وهم بقتله فكلم فيه، فقال لا يساكنني ببلدة أنا فيها، فسيره إلى المدائن.  

وعن سويد بن غفلة ، قال: مررت بنفر من الشيعة وهم يتناولون أبا بكر ، وعمر رضي الله عنهما، قال: فدخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقلت له: يا أمير المؤمنين إني مررت آنفا بنفر من أصحابك وهم يذكرون أبا بكر ، وعمر بغير الذي هما له من الأمر أهلا، ولولا أنهم يرون أنك تضمر لهما بمثل ما أعلنوا ما اجترؤوا على ذلك، فقال علي رضي الله عنه: أعوذ بالله أن أضمر لهما، لعن الله من أضمر لهما إلا الحسن الجميل، أخوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحباه ووزيراه رحمة الله عليهما.

ثم نهض دامعا عيناه يبكي قابضا على يدي حتى دخل المسجد وصعد المنبر، فجلس عليه متمكنا قابضا على لحيته ينظر فيها وهي بيضاء حتى اجتمع له الناس، ثم قام فتشهد بخطبة بليغة موجزة، ثم قال: ما بال أقوام يذكرون سيدي قريش [ ص: 121 ] وأبوي المسلمين بما أنا عنه متنزه وعما يقولون بريء، وعلى ما يقولون معاقب، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لا يحبهما إلا مؤمن تقي، ولا يبغضهما إلا فاجر ردي، صحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الوفاء والصدق يأمران، وينهيان، ويقضيان، ويعاقبان، ولا يجاوزان رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى مثل رأيهما رأيا، ولا يحب كحبهما أحدا، مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهما راض، ومضيا والمؤمنون عنهما راضون، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر على صلاة المؤمنين فصلى بهم تسعة أيام في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم، واختار له ما عنده ولاه المؤمنون ذلك، ثم أعطوه البيعة طائعين غير كارهين، أنا أول من سن ذلك من بني عبد المطلب، وهو لذلك كاره يود لو أن أحدنا كفاه ذلك، كان والله خير من بقي، أرحمه رحمة وأرأفه وأبينه ورعا، وأقدمه سنا وإسلاما، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بميكائيل رحمة، وبإبراهيم عفوا ووقارا، فسار بنا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مضى على ذلك، رحمة الله عليه، ثم ولي الأمر بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، واستأمر المسلمين في ذلك، فمنهم من رضي، ومنهم من كره، فكنت فيمن رضي، فلم يفارق الدنيا حتى رضي عنه من كان كرهه، وأقام الأمر على منهاج النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه يتبع آثارهما كاتباع الفصيل أثر أمه، [ ص: 122 ] وكان والله رفيقا رحيما بالضعفاء والمؤمنين، عونا وناصرا للمظلومين على الظالمين، لا تأخذه في الله لومة لائم، ثم ضرب الله بالحق على لسانه، وجعل الصدق من شأنه، حتى أن كنا لنظن أن ملكا ينطق على لسانه، أعز الله بإسلامه الإسلام، وجعل هجرته للدين قواما، ألقى الله له في قلوب المنافقين الرهبة، وفي قلوب المؤمنين المحبة، شبهه رسول الله صلى الله عليه وسلم بجبريل فظا غليظا على الأعداء، وبنوح حنقا مغتاظا على الكفار، الضراء في طاعة الله عنده آثر من السراء في معصية الله، من لكم بمثليهما؟ رحمة الله عليهما، ورزقنا المضي على سبيلهما، فإنه لا يبلغ مبلغهما إلا باتباع آثارهما والحب لهما، فمن أحبني فليحبهما، ومن لم يحبهما فقد أبغضني وأنا بريء منه، ولو كنت تقدمت إليكم في أمرهما لعاقبت على هذا أشد العقوبة، إنه لا ينبغي أن أعاقب قبل التقدم، ألا فمن أتيت به يقول هذا بعد اليوم فإن عليه ما على المفتري، ألا وخير هذه الأمة بعد نبيها: أبو بكر الصديق ، وعمر الفاروق ،  ثم الله أعلم بالخير أين هو، أقول قولي هذا ويغفر الله لي ولكم [ ص: 123 ] .

وفي رواية: فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم واختار له ما عنده ولاه المؤمنون ذلك، وفوضوا إليه الزكاة لأنهما مقرونتان، ثم أعطوه البيعة.

وعن صلة ، قال: كان أبو بكر إذا ذكر عند علي رضي الله عنه، قال: ما استبقنا إلى خير قط إلا سبقنا إليه أبو بكر.

وقال: والله ما أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجي عليه - يعني عمر رضي الله عنه   [ ص: 124 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية