فصل
روي عن ، أنه وفد إلى الربيع بن زياد الحارثي فأعجبته هيئته ونحوه فقال: يا أمير المؤمنين إن أحق الناس بطعام لين ومركب لين وملبس لين لأنت، وكان أكل طعاما غليظا، فرفع عمر بن الخطاب جريدة كانت معه، فضرب بها رأسه، ثم قال: أما والله ما أراك أردت بها الله، ما أردت بها إلا مقاربتي، إن كنت لأحسب أن يكون فيك خير، ويحك، هل تدري ما مثلي ومثل هؤلاء؟ قال: وما مثلك ومثلهم؟ قال: مثل قوم سافروا فدفعوا نفقاتهم إلى رجل منهم، فقالوا: أنفق علينا. عمر
فهل يحل له أن يستأثر منهما بشيء؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، قال: فذاك مثلي ومثلهم، ثم قال رضي الله عنه: عمر فمن ظلمه عامله بمظلمة فليرفعها إلي حتى أقصه منه، فقال إني لم أستعملهم عليكم أن يضربوا أبشاركم وليشتموا أعراضكم وليأكلوا [ ص: 127 ] أموالكم، ولكن استعملتهم ليعلموكم كتاب ربكم، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، يا أمير المؤمنين: أرأيت إن أدب أمير رجلا أتقصه منه؟ فقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: ومالي لا أقصه منه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقص من نفسه، وكتب عمر إلى أمراء الأجناد: عمر وعن "لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تحرموهم فتكفروهم، ولا تجمروهم فتفتنوهم، ولا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم" ، قال: لما ولي سعيد بن المسيب رضي الله عنه، خطب الناس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس: إني والله قد علمت أنكم كنتم تؤنسون مني شدة وغلظا، وذلك أني كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنت عبده وخادمه وجلوازه، وكان كما قال الله: عمر بن الخطاب بالمؤمنين رءوف رحيم وكنت بين يديه كالسيف المسلول إلا أن يغمدني أو ينهاني عن أمر فأكف عنه، وإلا أقدمت على الناس لمكان النبي صلى الله عليه وسلم فلم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى توفاه الله تعالى وهو راض عني، فالحمد لله على [ ص: 128 ] ذلك كثيرا وأنا به أسعد، ثم قمت ذلك العام مع خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد رسول الله وكان من علمتم في كرمه ودعته ولينه، وكنت خادمه وجلوازه، وكنت كالسيف المسلول بين يديه على الناس، أخلط شدتي بلينه، إلا أن يتقدم إلي فأكف وإلا أقدمت، فلم أزل على ذلك حتى توفاه الله رضي الله عنه وهو عني راض، والحمد لله كثيرا، وأنا أسعد به ثم جاء أمركم إلي اليوم، فأنا أعلم أن سيقول قائل: قد كان متشددا علينا والأمر إلى غيره، فكيف به إذا صار الأمر إليه. أبي بكر الصديق
أعلم أنكم لا تسألون عني أحدا، قد عرفتموني، وجربتموني، وقد عرفت بحمد الله من سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم ما عرفت وما أصبحت نادما على شيء أحب إلي أن أسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وقد سألته، واعلموا أن شدتي التي كنتم ترون تزداد أضعافا إذا كان الأمر على الظالم والمعتدي، والأخذ للمسلمين لضعيفهم من قويهم، وإني بعد شدتي ذلك واضع خدي بالأرض لأهل العفاف وأهل الكف فيكم والتسليم، وإني لست آلي إن كان بيني وبين أحد منكم شيء في أحكامكم أن أمشي معه إلى من أحب منكم، فينظر فيما بيني وبينه، فاتقوا الله عباد الله وأعينوني على أنفسكم بكفها وأعينوني على نفسي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإحضاري النصيحة فيما ولاني الله من أمركم.
قال سعيد: فوالله لقد وفى لله بما قال.
وزاد في موضع الشدة على أهل الريب والظلم، والرفق بأهل الحق من كانوا [ ص: 129 ] .