الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
267 - ذكر محمد بن سيرين رضي الله عنه تابعي بصري

قال أهل التاريخ: كان من أورع أهل البصرة، وكان فاضلا حافظا، يعبر الرؤيا، رأى ثلاثين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مات سنة عشر ومائة بعد الحسن بمائة يوم، وقبره بإزاء قبر الحسن بالبصرة مشهور يزار.

قال ابن عون: قال رجل لابن سيرين: قد اغتبتك فاجعلني في حل.

قال: أكره أن أحل ما حرم الله تعالى.

وكان يقول للرجل إذا أراد أن يسافر في التجارة: اتق الله واطلب ما قدر لك من الحلال،  فإنك إن لم تطلبه من ذلك لم تصب أكثر مما قدر لك [ ص: 920 ] .

وقال: إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له واعظا من قلبه يأمره وينهاه،  وكان إذا سئل عن شيء من الفقه والحلال والحرام تغير لونه حتى كأنه ليس بالذي كان.

وسئل عمن يسمع القرآن فيصعق،  قال: ميعاد ما بيننا وبينهم أن يجلسوا على حائط فيقرأ عليهم من أوله إلى آخره فإن سقطوا فهم كما يقولون.

وقال مورق: ما رأيت رجلا أفقه في ورعه ولا أورع في فقهه من ابن سيرين.

وقال السري بن يحيى: لقد ترك ابن سيرين ربح أربعين ألفا في شيء دخله ما يختلف فيه أحد من العلماء، وأوصى أنس بن مالك أن يغسله ابن سيرين ، وكان محبوسا، فقيل له في ذلك فقال: أنا محبوس، قالوا: قد استأذنا الأمير فأذن لك.

قال: إن الأمير لم يحبسني، إنما [ ص: 921 ] حبسني الذي له الحق، فأذن له صاحب الحق فخرج فغسله.

وقيل: كان لا يطعم عند كل أحد، وكان إذا دعي أجاب ولم يطعم، وكان إذا دعي إلى وليمة يدخل في منزله فيقول: اسقوني شربة سويق، فقيل له في ذلك، فقال: أكره أن أحمل حدة جوعي على طعام الناس.

وقال عاصم الأحول: لم يترك ابن سيرين أحدا يمشي معه.

وقال: المسلم للمسلم عند الدرهم، وكان يخرج الزيوف من ماله.

وقال ابن عون: كان لابن سيرين منازل لا يكريها إلا من أهل الذمة فقيل له في ذلك.

فقال: إذا جاء رأس الشهر رعته، وأكره أن أروع مسلما [ ص: 922 ] .

وقال أبو خلدة: دخلت أنا وابن عون ، وسهم على ابن سيرين ، فقال: ما أدري ما أتحفكم به كلكم، وكان في بيته خبز ولحم، يا جارية هاتي تلك الشهدة، فجاءت بها فجعل يقطع ويأكل ويطعمنا.

وقال هشام: كان ابن سيرين قلما يدخل عليهم داخل إلا قربوا إليه طعاما حتى إذا كان آخرا، وخفت حالهم كان يشترون من البسر المقلي، فإذا دخل إليه داخل قدموه إليه.

وقال ابن عون: ما أتينا ابن سيرين في يوم إلا أطعمنا خبيصا أو فالوذجا، فلما ركبه الدين خفف مطعمه حتى كنت آوي له، أي أرق له، وكان أكثر ما يأتدم به السمك الصغار [ ص: 923 ] .

وقال الفضيل بن عياض: قال الحسن: إنما هي طاعة الله، أو النار فقال ابن سيرين: إنما هي رحمة الله أو النار.

وقالت امرأة هشام بن حسان: كنا مع ابن سيرين في داره، وكنا نسمع بكاءه بالليل وضحكه بالنهار.

وقال موسى بن المغيرة: رأيت ابن سيرين يدخل السوق نصف النهار، يكبر ويسبح ويذكر الله، فقيل له في هذه الساعة؟ فقال: إنها ساعة غفلة.

وكان ابن سيرين إذا ذكر الموت عنده يموت كل عضو منه على حدته.  

وقال ابن سيرين: رأيت جليسا لي في المنام فإذا ساقاه من ذهب فقلت: ما صنع الله بك؟ قال: غفر لي ذنوبي وأدخلني الجنة، وبدلني ساقين من ذهب أسرح بهما في الجنة، قلت: بماذا؟ قال: بعزل الأذى عن الطريق.

وقال هشام بن حسان: ما رئي محمد بن سيرين يكلم أمه قط إلا وهو يتضرع لها   [ ص: 924 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية