الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل في ذكر قبوله الحق من الشريف والوضيع

روي عن السدي ، قال: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإذا هو بضوء نار ومعه عبد الله بن مسعود ، قال: فاتبع الضوء حتى دخل دارا فإذا سراج في بيت فدخل - وذلك في جوف الليل، إذا شيخ جالس وبين يديه شراب وقينة تغنيه، فلم يشعر حتى هجم عليه، فقال عمر: ما رأيت كالليلة منظرا أقبح من شيخ ينتظر أجله، قال: فرفع الشيخ رأسه، فقال: بلى يا أمير المؤمنين، ما صنعت أنت أقبح، إنك تجسست، وقد [ ص: 142 ] نهى الله عن التجسس، ودخلت بغير إذن،  فقال عمر رضي الله عنه: صدقت.

ثم خرج عاضا على ثوبه وقال: ثكلت عمر أمه إن لم يغفر له ربه، هذا كان يستخفي بهذا من أهله، فيقول الآن رأى عمر أمير المؤمنين، فيتتابع فيه، قال: وهجر الشيخ مجالس عمر حينا، فبينما عمر بعد ذلك بحين جالس إذا هو به قد جاء شبيه المستخفي حتى جلس في أخريات الناس فرآه عمر ، فقال: علي بهذا الشيخ فأتي فقيل له: أجب، فقام وهو يرى أن عمر سيؤنبه بما رأى منه، فقال له عمر: ادن مني فما زال يدنيه حتى جلس بجنبه، فقال: أدن مني أذنك، فالتقم أذنه، فقال: أما والذي بعث محمدا بالحق رسولا ما أخبرت أحدا من الناس بما رأيت منك ولا ابن مسعود ، وكان معي، فقال: يا أمير المؤمنين، أدن مني أذنك، فالتقم أذنه، فقال: ولا أنا، والذي بعث محمدا بالحق رسولا ما عدت إليه حتى جلست مجلسي هذا فرفع عمر صوته فكبر، فما يدري الناس من أي شيء يكبر عن طارق بن شهاب ، قال: لما قدم عمر الشام تلقته الجنود [ ص: 143 ] وعليه إزار وخفان وعمامة، وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء فقالوا: يا أمير المؤمنين، يلقاك الجنود والبطارقة، وأنت على حالك هذه، فقال: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نلتمس العز بغيره.  

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: نادى عمر: الصلاة جامعة، ثم جلس على المنبر فما تكلم حتى امتلأ المسجد، ثم قام، فقال: الحمد لله لقد رأيتني أؤاجر نفسي بطعام بطني، ثم أصبحت على ما ترون، فقيل: ما حملك على ما تقول؟ قال: إظهار الشكر.  

وعن أشياخ من الأنصار، قالوا: أتانا عمر بن الخطاب بقباء، فأتى بشربة من عسل، فقال: ائتني بشربة هي أهون علي في المسألة من هذه يوم القيامة.  

وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أوصاني عمر رضي الله عنه، قال: إذا وضعتني في لحدي فافض بخدي إلى الأرض.  

قيل: كان نقش خاتم عمر رضي الله عنه كفى بالموت واعظا   [ ص: 144 ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية