الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
506 - ذكر أبي زرعة الرازي رحمه الله

تقدم ذكره في تبع الأتباع في باب العين، اسمه عبيد الله.

قال عبد الواحد بن غياث: ما رأى أبو زرعة بعينه مثل نفسه أحدا، وقال محمد بن يحيى النيسابوري: لا يزال المسلمون بخير ما أبقى الله لهم مثل أبي زرعة.  

وقال يونس بن عبد الأعلى: ، أبو زرعة ، وأبو حاتم إماما خراسان ودعا لهما، وقال: بقاؤهما صلاح المسلمين [ ص: 1224 ] .

وقال أبو زرعة: رأيت فيما يرى النائم، كأني في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وكأني أمسح بيدي على منبر النبي صلى الله عليه وسلم على موضع المقعد والذي يليه، ثم أمسكته، فاقتصصته على رجل من أهل سجستان كان بعبادان، فقال: هذا أنت تعنى بحديث النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين.

قال محمد بن مسلم: رأيت أبا زرعة رحمه الله، في المنام فقلت: ما فعل بك ربك؟ فقال: قربني وأدناني، وقربني وأدناني، ثم قال لي: يا عبيد الله تزرعت في الكلام، قلت: لأنهم جادلوا دينك، قال: ألحقوه بأبي عبد الله ، وأبي عبد الله ، وأبي عبد الله ، قال محمد بن مسلم: فوقع في قلبي في النوم أن أبا عبد الله سفيان الثوري ، وأن أبا عبد الله مالك بن أنس ، ، وأن أبا عبد الله أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.

قيل: مات أبو زرعة مبطونا يعرق جبينه في النزع.

قال ابن عم أبي زرعة: سمعت أبا زرعة يقول في مرضه الذي مات فيه: اللهم إني اشتقت إلى رؤيتك، فإن قال: بأي عمل اشتقت إلي؟ قلت: برحمتك يا رب [ ص: 1225 ] .

وقال أبو زرعة: قال لي السري بن معاذ وكان أحد الولاة: لو أني قبلت لأعطيت مائة ألف درهم قبل الليل فيك، وفي ابن مسلم من غير أن أحبسكم ولا أضر بكم أكثر من أن أمنعكم من التحديث.

وقال أبو زرعة: كنت فيما مضى وأنا صحيح ربما أخذتني الحمى، فأضعف وأجد لذلك ألما، وأنا اليوم ربما حممت فلا أجد له ألما أظن في نفسي كذا ينبغي أن يكون.

وقال: إني لألبس الثياب لكي إذا نظر الناس إلي لا يقولون ترك أبو زرعة الدنيا ولبس الثياب الدون، وإني لآكل ما يقدم إلي من الطيبات والحلوى لكي لا يقول الناس: إن أبا زرعة لا يأكل الطيبات لزهده، ومن أحب أن يسلم من لبس الثياب يلبسه لستر عورته، فإنه إذا نوى هذا ولم ينو غيره سلم.

وقال الحسن بن أحمد الليث: سمعت أحمد بن حنبل وسأله رجل فقال: بالري شاب يقال له: أبو زرعة ، فغضب أحمد ، وقال: تقول شاب كالمنكر عليه ثم رفع يديه وجعل يدعو الله لأبي زرعة ويقول: اللهم انصره على من بغى عليه، اللهم ادفع عنه البلاء اللهم، اللهم في دعاء كثير، قال الحسن: فلما قدمت حكيت ذلك لأبي زرعة وحملت إليه دعاء أحمد بن حنبل وكنت كتبته فكتبه أبو زرعة ، وقال لي أبو زرعة: ما وقعت في بلية فذكرت دعاء أحمد بن حنبل إلا ظننت أن الله يفرج علي بدعائه [ ص: 1226 ] .

وقال أبو زرعة: ذهب أبي إلى عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد الدشتكي ، فلما رأيته هبته فجعلت أدنو منه، فقال لأبي: من هذا؟ قال: هذا ابني، قال: ادعه.

فدعاني، فجئت حتى دنوت من أبي، فقال لي عبد الرحمن: ادن مني، فلم يزل يقول: ادن مني وقال لي: أخرج يدك، فأخرجت يدي فنظر إلى شقوق في باطن أصابعي فتفرس في وقال: إن هذا سيكون له شأن، ويحفظ القرآن، والعلم، وذكر أشياء.

وقال أبو زرعة خرجت من الري، المرة الثانية سنة سبع وعشرين ورجعت سنة اثنين وثلاثين، وإني حججت، ثم خرجت إلى مصر ، فأقمت بها خمسة عشر شهرا، وكنت عزمت في بدء قدومي مصر ، أن أقل المقام بها، ولما رأيت كثرة العلم رمت على المقام، ولم أكن عزمت على سماع كتب الشافعي ، فلما عزمت على المقام، وجهت إلى أعرف رجل بمصر يكتب للشافعي ، وسلمت إليه ثمانين درهما على أن يكتبها لي، وأعطيته الكاغد وكنت حملت معي ثوبين دقيقين لأقطعهما لنفسي، فلما عزمت على كتابتها أمرت ببيعها، فبيعا بستين درهما واشتريت مائة ورقة كاغد بعشرة دراهم، فكتبت فيها كتب الشافعي ، ثم خرجت إلى الشام، فأقمت بها ما أقمت، ثم خرجت إلى الجزيرة، فأقمت ما أقمت، ثم رجعت [ ص: 1227 ] إلى بغداد سنة ثلاثين في آخرها، ورجعت إلى الكوفة فأقمت بها ما أقمت، وقدمت البصرة فكتبت فيها عن شيبان ، وعبد الأعلى.

قال أبو زرعة: كتب إلي إسحاق بن راهويه: لا يهولنك الباطل فإن للباطل جولة ثم يتلاشى.

التالي السابق


الخدمات العلمية