باب الفرق بين النسخ والبداء.
أن النسخ تحويل العباد من شيء قد كان حلالا فيحرم أو كان حراما فيحلل أو كان مطلقا فيحظر أو كان محظورا فيطلق أو كان مباحا فيمنع أو ممنوعا فيباح إرادة الصلاح للعباد وقد علم الله جل وعز العاقبة في ذلك وعلم وقت الأمر به أنه سينسخه إلى ذلك الوقت فكان المطلق على الحقيقة غير المحظور فالصلاة كانت إلى الفرق بين النسخ والبداء بيت المقدس إلى وقت بعينه ثم حظرت فصيرت إلى الكعبة وكذا قوله جل وعز إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قد [ ص: 442 ] علم الله جل وعز أنه إلى وقت بعينه ثم نسخه في ذلك الوقت وكذا تحريم السبت كان في وقت بعينه على قوم ثم نسخ وأمر قوم آخرون بإباحة العمل فيه، وكان الأول المنسوخ حكمة وصوابا ثم نسخ وأزيل بحكمة وصواب كما تزال الحياة بالموت وكما تنقل الأشياء فلذلك لم يقع النسخ في الأخبار لما فيها من الصدق والكذب؟.
وأما البداء فهو ترك ما عزم عليه كقولك: امض إلى فلان اليوم ثم تقول: لا تمض إليه فيبدو لك عن القول الأول وهذا يلحق البشر لنقصانهم وكذا إن قلت: ازرع كذا في هذه السنة ثم قلت: لا تفعل، فهذا البداء فإن قلت: يا فلان ازرع فقد علم أنك تريد مرة واحدة، وكذا النسخ إذا أمر الله جل وعز بشيء في وقت نبي أو في وقت يتوقع فيه.
نبي فقد علم أنه حكمة وصواب إلى أن ينسخ وقد نقل من الجماعة من لا يجوز عليهم الغلط نسخ شرائع الأنبياء من لدن آدم صلى الله عليه وسلم إلى وقت نبينا صلى الله عليه وسلم وهم الذين نقلوا علامات الأنبياء وقد غلط جماعة في الفرق بين النسخ والبداء كما غلطوا في تأويل [ ص: 443 ] أحاديث حملوها على النسخ أو على غير معناها.