الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر النوع الثامن والعشرين

من علوم الحديث

هذا النوع منه: معرفة الشاذ من الروايات.  

وهو غير المعلول، فإن المعلول ما يوقف على علته أنه دخل حديث في حديث، أو وهم فيه راو، أو أرسله واحد فوصله واهم.

فأما الشاذ:

فإنه حديث يتفرد به ثقة من الثقات، وليس للحديث أصل متابع لذلك الثقة.

290 - سمعت أبا بكر أحمد بن محمد المتكلم الأشقر يقول: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق يقول: سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول: قال لي الشافعي: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثا يخالف فيه الناس، هذا الشاذ من الحديث.

[ ص: 376 ] ومثاله ما:

[ ص: 377 ] 291 - حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه قال: أخبرنا موسى بن هارون قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ بن جبل: أن النبي صلى الله عليه وآله كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، فيصليهما جميعا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعا، ثم سار.

وكان إذا ارتحل قبل المغرب (أخر المغرب) حتى يصليها مع العشاء، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب.


قال الحاكم: هذا حديث رواته أئمة ثقات، وهو شاذ الإسناد والمتن، لا نعرف له علة نعلله بها، فلو كان الحديث عند الليث ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل لعللنا به الحديث، ولو كان عند يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الزبير لعللنا به، فلما لم نجد له العلتين، خرج عن أن يكون معلولا.

ثم نظرنا فلم نجد ليزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل رواية، ولا وجدنا هذا المتن بهذه السياقة عند أحد من أصحاب أبي الطفيل ، ولا عند أحد ممن [ ص: 378 ] رواه عن معاذ بن جبل ، عن أبي الطفيل ، فقلنا الحديث شاذ.

وقد:

292 - حدثونا عن أبي العباس الثقفي ، قال: كان قتيبة بن سعيد يقول لنا: على هذا الحديث علامة أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، ويحيى بن معين ، وأبي بكر بن أبي شيبة ، وأبي خيثمة حتى عد قتيبة أسامي سبعة من أئمة الحديث، كتبوا عنه هذا الحديث.

293 - وقد أخبرناه أحمد بن جعفر القطيعي ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا قتيبة بن سعيد فذكر نحوه.

قال أبو عبد الله: فأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجبا من إسناده ومتنه، ثم لم يبلغنا عن واحد منهم أنه ذكر للحديث علة، وقد:

294 - قرأ علينا أبو علي الحافظ هذا الباب، وحدثنا به، عن أبي عبد الرحمن النسائي ، وهو إمام عصره، عن قتيبة بن سعيد ، ولم يذكر أبو عبد الرحمن ، ولا أبو علي للحديث علة.

فنظرنا، فإذا الحديث موضوع، وقتيبة ثقة مأمون.

[ ص: 379 ] 295 - حدثني أبو الحسن محمد بن موسى بن عمران الفقيه قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: سمعت صالح بن حفصويه النيسابوري - قال أبو بكر: وهو صاحب حديث - يقول: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبت عن الليث بن سعد حديث يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل؟ قال: كتبته مع خالد المدايني ، قال البخاري: وكان خالد المدايني يدخل الأحاديث على الشيوخ.

ومن هذا الجنس:

296 - حدثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي الثقة [ ص: 380 ] المأمون بمرو، من أصل كتابه قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن سيار قال: حدثنا محمد بن كثير العبدي قال: حدثنا سفيان الثوري قال: حدثني أبو الزبير ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في صلاة الظهر يرفع يديه إذا كبر، وإذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع.

قال: وهذا الحديث شاذ الإسناد والمتن، إذ لم نقف له على علة، وليس عند الثوري ، عن أبي الزبير (هذا الحديث، ولا ذكر أحد في حديثه رفع اليدين أنه في صلاة الظهر، أو غيرها، ولا نعلم أحدا رواه عن أبي الزبير) غير إبراهيم بن طهمان وحده، تفرد به، إلا حديث يحدث به سليمان بن أحمد الملطي ، من حديث زياد بن سوقة ، وسليمان متروك، يضع الحديث.

وقد رأيت جماعة من أصحابنا يذكرون أن علته أن يكون عن محمد بن كثير ، عن إبراهيم بن طهمان.

(وهذا خطأ فاحش، فليس عند محمد بن كثير ، عن إبراهيم بن طهمان) حرف، (وهذا كما يقال: قست فأخطأت، فإنهم يرون عند أبي حذيفة ، عن إبراهيم بن طهمان) ، فيتوهمون قياسا أن محمد بن كثير ، [ ص: 381 ] يروي عن إبراهيم بن طهمان كما يروي أبو حذيفة؛ لأنهما رويا جميعا، عن الثوري ، وليس كذلك فإن أبا حذيفة قد روى عن جماعة لم يسمع منهم محمد بن كثير ، منهم إبراهيم بن طهمان ، وشبل بن عباد ، وعكرمة بن عمار ، وغيرهم من أكابر الشيوخ.

297 - حدثنا أبو الحسين عبد الرحمن بن نصر المصري الأصم ، ببغداد، قال: حدثنا أبو عمرو بن خزيمة البصري ، بمصر، قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، قال: حدثنا أبي، عن ثمامة ، عن أنس قال: كان قيس بن سعد من النبي صلى الله عليه وآله بمنزلة صاحب الشرط من الأمير، يعني ينظر في أموره.

298 - وحدثنا جماعة من مشايخنا، عن أبي بكر محمد بن إسحاق قال: حدثني أبو عمرو محمد بن خزيمة البصري بمصر، وكان ثقة، فذكر الحديث بنحوه.

قال أبو عبد الله: وهذا الحديث شاذ بمرة ، فإن رواته ثقات، وليس له أصل عن أنس ، ولا عن غيره من الصحابة بإسناد آخر.

[ ص: 382 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية