والاتحاد والحلول الخاص وقع فيه كثير من العباد والصوفية وأهل الأحوال   ; فإنه [1] يفجؤهم ما يعجزون عن معرفته ، وتضعف عقولهم عن تمييزه ، فيظنونه ذات الحق ، وكثير منهم يظن أنه رأى الله بعينه ، وفيهم من يحكي مخاطباته [2] له ، ومعاتباته [3]  . وذاك كله إنما هو في قلوبهم من  [ ص: 384 ] المثال العلمي الذي في قلوبهم بحسب إيمانهم به . 
ومما يشبه المثال العلمي رؤية الرب تعالى [4] في المنام  ، فإنه يرى في صور [5] مختلفة ، يراه كل عبد [6] على حسب إيمانه ، ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أعظم إيمانا من غيره رآه في أحسن صورة ، وهي رؤية منام بالمدينة  ، كما نطقت بذلك الأحاديث المأثورة عنه [7] ، وأما ليلة المعراج فليس في شيء من الأحاديث المعروفة أنه رآه ليلة المعراج ، لكن روي في ذلك حديث موضوع باتفاق أهل العلم بالحديث ، رواه الخلال  من طريق أبي عبيد  ، وذكره  القاضي أبو يعلى  في " إبطال التأويل " [8] ، والذي نص عليه الإمام  أحمد  في الرؤية هو ما جاء عن النبي - صلى الله عليه  [ ص: 385 ] وسلم - ، وما قاله أصحابه ، فتارة يقول : رآه بفؤاده متبعا  لأبي ذر   ; فإنه روى بإسناده عن  أبي ذر   - رضي الله عنه - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه بفؤاده [9]  . 
وقد ثبت في صحيح  مسلم   : أن أبا ذر سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - : هل رأيت ربك ؟ فقال : " نور أنى أراه " [10]  . ولم ينقل هذا السؤال عن غير  أبي ذر   . وأما ما يذكره بعض العامة من أن  أبا بكر   - رضي الله عنه - سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال [11]  : " نعم رأيته " ، وأن  عائشة  سألته ، فقال : " لم أره " فهو كذب ، لم يروه أحد من أهل العلم ، ولا يجيب النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مسألة واحدة بالنفي والإثبات مطلقا ، فهو منزه عن ذلك [12]  . 
 [ ص: 386 ] فلما كان  أبو ذر  أعلم من غيره اتبعه  أحمد  ، مع ما ثبت في الصحيح عن  ابن عباس  أنه قال : رآه بفؤاده مرتين [13]  . وتارة يقول  أحمد   : رآه . فيطلق [14] اللفظ ولا يقيده بعين ولا قلب ( * اتباعا للحديث ، وتارة يستحسن قول من يقول : رآه . ولا يقول بعين ولا قلب * ) [15] ، ولم ينقل أحد من أصحاب  أحمد  الذين باشروه عنه أنه قال : رآه بعينه ، وقد ذكر ما نقلوه عن أحمد الخلال  في كتاب " السنة " وغيره [16]  . 
وكذلك لم ينقل أحد بإسناد صحيح عن  ابن عباس  أنه قال : " رآه بعينه " ، بل الثابت عنه إما الإطلاق ، وإما التقييد بالفؤاد . 
وقد ذكر طائفة من أصحاب  أحمد  ،  كالقاضي أبي يعلى  [17] ومن اتبعه عن  أحمد  ثلاث روايات في رؤيته تعالى : إحداها : أنه رآه بعينه ، واختاروا ذلك . وكذلك اختاره  الأشعري  وطائفة . ولم ينقل هؤلاء عن  [ ص: 387 ]  أحمد  لفظا صريحا بذلك ، ولا عن  ابن عباس  ، ولكن المنقول الثابت عن  أحمد  من جنس النقول الثابتة عن  ابن عباس   : إما تقييد الرؤية بالقلب ، وإما إطلاقها ، وأما تقييدها بالعين فلم يثبت لا عن  أحمد  ولا عن  ابن عباس   . 
وأما من سوى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكر الإمام  أحمد  اتفاق السلف على أنه لم يره أحد بعينه ، وقد ثبت في صحيح  مسلم  عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " واعلموا أن أحدا منكم لن يرى ربه حتى يموت   " [18] ، وهذا لبسطه موضع آخر . 
وإنما المقصود هنا أن كثيرا من السالكين يرد عليه من الأحوال ما يصطلمه  [19] ، حتى يظن أنه هو الحق ، وأن الحق فيه ، أو أن الحق يتكلم على لسانه ، أو أنه يرى الحق ، أو نحو ذلك ، وإنما يكون الذي يشاهدونه ويخاطبونه هو الشيطان ، وفيهم من يرى عرشا عليه نور ، ويرى الملائكة  [ ص: 388 ] حول العرش ، ويكون ذلك الشيطان ، وتلك الشياطين حوله ، وقد جرى هذا لغير واحد . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					