فقال صلى الله عليه وسلم : دعه فعسى أن يقوم مقاما تحمده ، وكان الذي أمره وكان خطيب مالك بن الدخشم ، فقال في ذلك :
أسرت سهيلا فما أبتغي أسيرا به من جميع الأمم [ ص: 670 ] وخندق تعلم أن الفتى
سهيلا فتاها إذا تصطلم ضربت بذي الشفر حتى انثنى
وأكرهت سيفي على ذي العلم
ضعوا رجلي في القيد حتى يأتيكم الفداء ، ففعلوا ذلك .
وكان سهيل أعلم مشقوق الشفة ، وهو الذي جاء في الصلح يوم الحديبية ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - حين رآه : وعقد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلح يومئذ ، وهو كان متولى ذلك دون سائر قد سهل لكم من أمركم ، قريش ، وهو الذي مدحه أمية بن أبي الصلت فقال :
أبا يزيد ، رأيت سيبك واسعا وسجال كفك يستهل ويمطر
منهم ذو الندى سهيل بن عمرو عصبة الناس حين جب الوفاء
حاط أخواله خزاعة لما كثرتهم بمكة الأحياء
وأتى في خطبته بمثل ما جاء به رضي الله عنه أبو بكر الصديق بالمدينة ، فكان ذلك معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه لعمر . والله أعلم .
وروى قال : حدثنا ابن المبارك قال : سمعت جرير بن حازم ، الحسن يقول : حضر الناس باب رضي الله عنه ، وفيهم عمر بن الخطاب سهيل بن عمرو ، وأبو سفيان بن حرب ، وأولئك الشيوخ من قريش ، فخرج آذنه ، فجعل يأذن لأهل بدر : لصهيب ، وبلال ، وأهل بدر ، وكان يحبهم ، وكان قد أوصى بهم ، فقال أبو سفيان : ما رأيت كاليوم قط ، إنه ليؤذن لهؤلاء العبيد ، ونحن جلوس ، لا يلتفت إلينا ، فقال قال سهيل بن عمرو : الحسن - ويا له من رجل ما كان أعقله :
أيها القوم ، إني والله قد أرى الذي في وجوهكم ، فإن كنتم غضابا فاغضبوا على أنفسكم ، دعا القوم ودعيتم ، فأسرعوا وأبطأتم ، أما والله لما سبقوكم به من الفضل أشد عليكم فوتا من بابكم هذا الذي تتنافسون فيه ، ثم قال : أيها القوم ، إن هؤلاء القوم قد سبقوكم بما ترون ، ولا سبيل لكم والله إلى ما سبقوكم إليه ، فانظروا هذا الجهاد فالزموه ، عسى الله [عز وجل ] أن يرزقكم شهادة ، ثم نقض ثوبه وقام ولحق بالشام .
قال الحسن : فصدق ، والله لا يجعل الله عبدا له أسرع إليه كعبد أبطأ عنه .
وذكر عن عمه الزبير مصعب ، عن نوفل بن عمارة ، قال : جاء الحارث بن [ ص: 672 ] هشام ، إلى وسهيل بن عمرو فجلسا وهو بينهما ، فجعل المهاجرون الأولون يأتون عمر بن الخطاب ، فيقول : هاهنا يا عمر ، سهيل ، هاهنا يا حارث ، فينحيهما عنه ، فجعل الأنصار يأتون فينحيهما عنه كذلك ، حتى صارا في آخر الناس ، فلما خرجا من عند قال عمر الحارث بن هشام لسهيل بن عمرو : ألم تر ما صنع بنا ؟ فقال له سهيل :
إنه الرجل لا لوم عليه ، ينبغي أن نرجع باللوم على أنفسنا ، دعي القوم فأسرعوا ، ودعينا فأبطأنا ، فلما قاموا من عند عمر أتياه ، فقالا له : يا أمير المؤمنين ، قد رأينا ما فعلت بنا اليوم ، وعلمنا أنا أتينا من قبل أنفسنا ، فهل من شيء نستدرك به ما فاتنا من الفضل ؟ فقال : لا أعلم إلا هذا الوجه - وأشار لهما إلى ثغر الروم . فخرجا إلى الشام فماتا بها .
قالوا : وكان بعد أن أسلم كثير الصلاة والصوم والصدقة ، وخرج بجماعة أهله إلا بنته سهيل بن عمرو هندا إلى الشام مجاهدا حتى ماتوا كلهم هنالك ، فلم يبق من ولده أحد إلا بنته هند وفاختة بنت عتبة بن سهيل ، فقدم بها على فزوجها عمر ، وكان عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، الحارث قد خرج مع سهيل ، فلم يرجع ممن خرج معهما إلا فاختة وعبد الرحمن ، فقال : زوجوا الشريد الشريدة .
ففعلوا ، فنشر الله منهما عددا كثيرا . قال المديني : سهيل بن عمرو باليرموك . وقيل : بل مات في طاعون عمواس [رضي الله عنه ] [ ص: 673 ] . قتل