الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1274 - الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس الدوسي ، من دوس ، أسلم وصدق النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، [ ص: 758 ] ثم رجع إلى بلاد قومه من أرض دوس ، فلم يزل مقيما بها حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بمن تبعه من قومه ، فلم يزل مقيما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض صلى الله عليه وسلم ، ثم كان مع المسلمين حتى قتل باليمامة شهيدا .

                                                              وروى إبراهيم بن سعد عن ابن إسحاق قال : قتل الطفيل بن عمرو الدوسي عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب ، وذكر المدائني عن أبي معشر أنه استشهد يوم اليمامة .

                                                              من حديثه أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن دوسا قد عصت . . . الحديث . حديثه عند أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة .

                                                              حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف لفظا منه . قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي غالب البزار ، بالفسطاط ، قال : حدثنا محمد بن محمد بن بدر الباهلي ، قال :

                                                              حدثنا رزق الله بن موسى ، قال : حدثنا ورقاء بن عمر ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه ، فقالوا : يا رسول الله ، إن دوسا قد عصت وأبت ، فادع الله عليها ، فقلنا : هلكت دوس . فقال : اللهم اهد دوسا وآت بهم .  

                                                              قال أبو عمر : كان الطفيل بن عمرو الدوسي يقال له ذو النور ، [ذكر الحارث بن أبي أسامة ، عن محمد بن عمران الأزدي ، عن هشام بن الكلبي ، قال :

                                                              إنما سمي الطفيل . . . إلى آخر كلام ابن الكلبي] .

                                                              [ ص: 759 ] أخبرنا أحمد بن محمد ، قال حدثنا أحمد بن الفضل ، قال حدثنا محمد بن جبير قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، عن محمد بن عمران الأزدي ، عن هشام بن الكلبي ، قال : إنما سمي الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم ذا النور ،  لأنه وفد على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إن دوسا قد غلب عليهم الزنا ، فادع الله عليهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اهد دوسا . ثم قال : يا رسول الله ، ابعثني إليهم ، واجعل لي آية يهتدون بها . فقال : اللهم نور له . فسطع نور بين عينيه ، فقال : يا رب ، إني أخاف أن يقولوا مثلة ، فتحولت إلى طرف سوطه ، فكانت تضيء في الليلة المظلمة ، فسمي ذا النور .

                                                              قال أبو عمر رضي الله عنه :

                                                              للطفيل بن عمرو الدوسي في [معنى ] ما ذكره ابن الكلبي خبر عجيب في المغازي ، ذكره الأموي في مغازيه ، عن ابن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، عن ابن الطفيل بن عمرو الدوسي .

                                                              وذكره ابن إسحاق عن عثمان بن الحويرث ، عن صالح بن كيسان ، عن الطفيل بن عمرو الدوسي ، قال : كنت رجلا شاعرا سيدا في قومي ، فقدمت مكة فمشيت إلى رجالات قريش ، فقالوا : يا طفيل ، إنك امرؤ شاعر ، سيد مطاع في قومك ، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل فيصيبك ببعض حديثه ، فإنما حديثه كالسحر ، فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا وعلى قومنا ، فإنه يفرق بين المرء وابنه ، وبين المرء وزوجه ، وبين المرء وأبيه ، [ ص: 760 ] فوالله ما زالوا يحدثونني [في شأنه ] ، وينهونني أن أسمع منه حتى قلت : والله لا أدخل المسجد إلا وأنا ساد أذني ، قال : فعمدت إلى أذني فحشوتهما كرسفا ، ثم غدوت إلى المسجد ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قائما في المسجد . قال : فقمت منه قريبا ، وأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله . قال : فقلت في نفسي : والله إن هذا للعجز ، والله إني امرؤ ثبت ، ما يخفى علي من الأمور حسنها ولا قبيحها ، والله لأستمعن منه ، فإن كان أمره رشدا أخذت منه ، وإن كان غير ذلك اجتنبته . فقال : فقلت : بالكرسفة! فنزعتها من أذني ، فألقيتها ، ثم استمعت له ، فلم أسمع كلاما قط أحسن من كلام يتكلم به . قال : قلت - في نفسي : يا سبحان الله ؟ ما سمعت كاليوم لفظا أحسن منه ولا أجمل . قال : ثم انتظرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انصرف فاتبعته ، فدخلت معه بيته ، فقلت له : يا محمد ، إن قومك جاءوني ، فقالوا كذا وكذا ، فأخبرته بالذي قالوا ، وقد أبى الله إلا أن أسمعني منك ما تقول ، وقد وقع في نفسي أنه حق ، فاعرض علي دينك ، وما تأمر به ، وما تنهى عنه . قال : فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام فأسلمت ، قلت : يا رسول الله ، إني أرجع إلى دوس ، وأنا فيهم مطاع ، وأنا داعيهم إلى الإسلام لعل الله أن يهديهم ، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه . فقال : اللهم اجعل له آية تعينه على ما ينوي من الخير . قال : فخرجت حتى أشرفت على ثنية أهلي التي تهبطني على حاضر دوس [ ص: 761 ] .

                                                              قال : وأبي هناك شيخ كبير ، وامرأتي ووالدتي . قال : فلما علوت الثنية وضع الله بين عيني نورا يتراءاه الحاضر في ظلمة الليل ، وأنا منهبط من الثنية . فقلت :

                                                              اللهم في غير وجهي ، فإني أخشى أن يظنوا أنها مثلة لفراق دينهم ، فتحول في رأس سوطي ، فلقد رأيتني أسير على بعيري إليهم ، وإنه على رأس سوطي كأنه قنديل معلق فيه حتى قدمت عليهم ، فقال : فأتاني أبي فقلت : إليك عني ، فلست منك ولست مني . قال : وما ذاك يا بني ؟ قال : فقلت : أسلمت واتبعت دين محمد . فقال : أي بني ، فإن ديني دينك ، قال : فأسلم وحسن إسلامه . ثم أتتني صاحبتي ، فقلت : إليك عني ، فلست منك ولست مني . قالت : وما ذاك بأبي وأمي أنت! قلت : أسلمت واتبعت دين محمد ، فلست تحلين لي ولا أحل لك . قالت : فديني دينك . قال قلت : فاعمدي إلى هذه المياه فاغتسلي منها وتطهري وتعالي .

                                                              قال : ففعلت ، ثم جاءت فأسلمت وحسن إسلامها ، ثم دعوت دوسا إلى الإسلام ، فأبت علي وتعاصت ، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، فقلت : يا رسول الله ، غلب على دوس الزنا ، والربا ، فادع الله عليهم ، فقال : اللهم اهد دوسا . ثم رجعت إليهم . قال : وهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فأقمت بين ظهرانيهم أدعوهم إلى الإسلام حتى استجاب لي منهم من استجاب ، وسبقتني بدر ، وأحد ، والخندق ، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بثمانين أو تسعين أهل بيت من دوس إلى المدينة ، فكنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله مكة ، فقلت : يا رسول الله ، ابعثني إلى ذي الكفين صنم عمرو بن حممة حتى أحرقه . قال : أجل ، فاخرج [ ص: 762 ] إليه فحرقه ، قال : فخرجت حتى قدمت عليه . قال : فجعلت أوقد النار وهو يشتعل بالنار ، واسمه ذو الكفين ، قال : وأنا أقول :


                                                              يا ذا الكفين لست من عبادكا ميلادنا أكبر من ميلادكا


                                                              إني حشوت النار في فؤادكا

                                                              ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقمت معه حتى قبض .


                                                              قال : فلما بعث أبو بكر بعثه إلى مسيلمة الكذاب خرجت ، ومعي ابني مع المسلمين عمرو بن الطفيل ، حتى إذا كنا ببعض الطريق رأيت رؤيا ، فقلت لأصحابي : إني رأيت رؤيا عبروها . قالوا : وما رأيت ؟ قلت : رأيت رأسي حلق ، وأنه خرج من فمي طائر ، وأن امرأة لقيتني وأدخلتني في فرجها ، وكان ابني يطلبني طلبا حثيثا ، فحيل بيني وبينه . قالوا : خيرا ، فقال : أما أنا والله فقد أولتها .

                                                              أما حلق رأسي فقطعه ، وأما الطائر فروحي ، وأما المرأة التي أدخلتني في فرجها فالأرض تحفر لي وأدفن فيها ، فقد رجوت أن أقتل شهيدا ، وأما طلب ابني إياي فلا أراه إلا سيغدو في طلب الشهادة ، ولا أراه يلحق في سفرنا هذا .

                                                              فقتل الطفيل شهيدا يوم اليمامة ، وجرح ابنه ، ثم قتل باليرموك بعد ذلك في زمن عمر بن الخطاب شهيدا .

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية