الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              قال أبو عمر : شهد أحدا وما بعدها من المشاهد . قال الزبير وغيره :

                                                              وأبلى طلحة يوم أحد بلاء حسنا ، ووقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ، واتقى النبل عنه بيده حتى شلت إصبعه ،  وضرب الضربة في رأسه ، وحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ظهره حتى استقل على الصخرة ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اليوم أوجب طلحة [يا أبا بكر ] . ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهض يوم أحد ليصعد صخرة ، وكان ظاهر بين درعين فلم يستطع النهوض ، فاحتمله طلحة بن عبيد الله فأنهضه حتى استوى عليها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوجب طلحة . أخبرنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا وكيع ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، قال : رأيت يد طلحة شلاء ، وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، ثم شهد طلحة المشاهد كلها ، وشهد الحديبية وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة [ ص: 766 ] الذين جعل عمر فيهم الشورى ، وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض .

                                                              وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إليه ، فقال : من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة . ثم شهد طلحة بن عبيد الله يوم الجمل محاربا لعلي ، فزعم بعض أهل العلم أن عليا دعاه فذكره أشياء من سوابقه وفضله ، فرجع طلحة عن قتاله على نحو ما صنع الزبير ، واعتزل في بعض الصفوف فرمي بسهم ، فقطع من رجله عرق النسا ، فلم يزل دمه ينزف حتى مات .

                                                              ويقال : إن السهم أصاب ثغرة نحره ، وإن الذي رماه مروان بن الحكم بسهم فقتله . فقال : لا أطلب بثأري بعد اليوم . وذلك أن طلحة - فيما زعموا - كان ممن حاصر عثمان واستبد عليه . ولا يختلف العلماء الثقات في أن مروان قتل طلحة يومئذ ، وكان في حزبه .

                                                              روى عبد الرحمن بن مهدي ، عن حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، قال :

                                                              قال طلحة يوم الجمل :


                                                              ندمت ندامة الكسعي لما شريت رضا بني جرم برغمي

                                                              اللهم خذ مني لعثمان حتى يرضى ومن حديث صالح بن كيسان ، وعبد الملك بن نوفل بن مساحق ، والشعبي ، وابن أبي ليلى بمعنى واحد : أن عليا رضي الله عنه قال في خطبته [ ص: 767 ] حين نهوضه إلى الجمل : إن الله عز وجل فرض الجهاد ، وجعله نصرته وناصره ، وما صلحت دنيا ولا دين إلا به ، وإني بليت بأربعة : أدهى الناس ، وأسخاهم طلحة ، وأشجع الناس الزبير ، وأطوع الناس في الناس عائشة ، وأسرع الناس إلى فتنة يعلى بن أمية ، والله ما أنكروا علي [شيئا ] منكرا ، ولا استأثرت بمال ، ولا ملت بهوى ، وإنهم ليطلبون حقا تركوه ، ودما سفكوه ، ولقد ولوه دوني ، وإن كنت شريكهم في الإنكار لما أنكروه ، وما تبعة عثمان إلا عندهم ، وإنهم لهم الفئة الباغية ، بايعوني ونكثوا بيعتي ، وما استأنوا بي ، حتى يعرفوا جوري من عدلي ، وإني لراض بحجة الله عليهم وعلمه فيهم ، وإني مع هذا لداعيهم ومعذر إليهم ، فإن قبلوا فالتوبة مقبولة ، والحق أولى ما انصرف إليه ، وإن أبوا أعطيتهم حد السيف ، وكفى به شافيا من باطل وناصرا ، والله إن طلحة ، والزبير ، وعائشة ليعلمون أني على الحق وأنهم مبطلون . وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : والله إني لأرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة ، والزبير ممن قال الله تعالى : ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين . وروى معاذ بن هشام ، عن أبيه ، عن قتادة ، عن الجارود بن أبي سبرة [ ص: 768 ] قال : نظر مروان بن الحكم إلى طلحة بن عبيد الله يوم الجمل فقال : لا أطلب بثأري بعد اليوم ، فرماه بسهم فقتله .

                                                              وروى حصين عن عمرو بن جاوان قال : سمعت الأحنف يقول : لما التقوا كان أول قتيل طلحة بن عبيد الله .

                                                              وروى حماد بن زيد ، عن قرة بن خالد ، عن ابن سيرين ، قال : رمي طلحة بن عبيد الله بسهم فأصاب ثغرة نحره . قال : فأقر مروان أنه رماه .

                                                              وروى جويرية ، عن يحيى بن سعيد عن عمه قال : رمى مروان طلحة بسهم ، ثم التفت إلى أبان بن عثمان فقال : قد كفيناك بعض قتلة أبيك .

                                                              وذكر ابن أبي شيبة قال : حدثنا أسامة ، قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، قال حدثنا قيس ، قال : رمى مروان بن الحكم يوم الجمل طلحة بسهم في ركبته . قال : فجعل الدم يسيل فإذا أمسكوه أمسك ، وإذا تركوه سال . قال فقال : دعوه . قال : وجعلوا إذا أمسكوا فم الجرح انتفخت ركبته ، فقال : دعوه فإنما هو سهم أرسله الله تعالى ، فمات فدفناه على شاطئ الكلأ . فرأى بعض أهله أنه أتاه في المنام ، فقال : ألا تريحوني من هذا الماء ، فإني قد غرقت - ثلاث مرات يقولها . قال : فنبشوه فإذا هو أخضر كأنه السلق ، فنزعوا عنه الماء ، ثم استخرجوه ، فإذا ما يلي الأرض من لحيته ووجهه قد أكلته الأرض ، فاشتروا له دارا من دور آل أبي بكرة بعشرة آلاف درهم فدفنوه فيها .

                                                              .

                                                              قال : وأخبرنا وكيع ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس قال : كان [ ص: 769 ] مروان مع طلحة يوم الجمل ، فلما اشتبكت الحرب قال مروان : لا أطلب بثأري بعد اليوم . قال : ثم رماه بسهم فأصاب ركبته ، فما رقأ الدم حتى مات ، وقال :

                                                              دعوه فإنما هو سهم أرسله الله] .

                                                              [حدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا عبد السلام بن صالح ، حدثنا علي بن مسهر ، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم أن مروان أبصر طلحة بن عبيد الله واقفا يوم الجمل ، فقال : لا أطلب بثأري بعد اليوم ، فرماه بسهم فأصاب فخذه فشكها بسرجه ، فانتزع السهم عنه ، فكانوا إذا أمسكوا الجرح انتفخت الفخذ ، فإذا أرسلوه سال . فقال طلحة : دعوه فإنه سهم من سهام الله تعالى أرسله ، فمات ودفن ، فرآه مولى لي ثلاث ليال في المنام كأنه يشكو إليه البرد ، فنبش عنه ، فوجدوا ما يلي الأرض من جسده مخضرا وقد تحاص شعره ، فاشتروا له دارا من دور أبي بكرة بعشرة آلاف درهم ، فدفنوه فيها] .

                                                              وحدثنا عبد الوارث ، حدثنا قاسم ، حدثنا أحمد بن زهير ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أبيه أن رجلا رأى فيما يرى النائم أن طلحة بن عبيد الله قال : حولوني عن قبري ، فقد آذاني الماء ، ثم رآه أيضا [حتى رآه ] ثلاث ليال ، فأتى ابن عباس فأخبره فنظروا فإذا شقه الذي يلي الأرض قد اخضر من نز الماء ، فحولوه . قال : فكأني أنظر إلى الكافور بين عينيه لم يتغير إلا عقيصته فإنها مالت عن موضعها [ ص: 770 ] .

                                                              وقتل طلحة رضي الله عنه وهو ابن ستين سنة . وقيل : ابن اثنتين وستين سنة . وقيل : ابن أربع وستين سنة - يوم الجمل .

                                                              وكانت وقعة الجمل لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين .

                                                              وقيل : كانت سنه يوم قتل خمسا وسبعين ، وما أظن ذلك صحيحا .

                                                              وكان طلحة رجلا آدم حسن الوجه كثير الشعر ليس بالجعد القطط ولا بالسبط ، وكان لا يغير شعره ، وسمع علي رضي الله عنه رجلا ينشده :


                                                              فتى كان يدنيه الغني من صديقه     إذا ما هو استغنى ويبعده الفقر

                                                              فقال : ذلك أبو محمد طلحة بن عبيد الله .

                                                              وذكر الزبير أنه سمع سفيان بن عيينة يقول ، كانت غلة طلحة بن عبيد الله ألفا وافيا كل يوم . قال : والوافي وزنه وزن الدينار ، وعلى ذلك وزن دراهم فارس التي تعرف بالبغلية .

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية