الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              2191 - كعب بن زهير بن أبي سلمى ، واسم أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني، من مزينة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر، وكانت محلتهم في بلاد غطفان، فيظن الناس أنهم من غطفان - أعني زهيرا وبنيه، وهو غلط. قدم كعب بن زهير على النبي صلى الله عليه وسلم بعد انصرافه من الطائف، فأنشده قصيدته التي أولها:


                                                              بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

                                                              القصيدة بأسرها، وأثنى فيها على المهاجرين، ولم يذكر الأنصار، فكلمته الأنصار، فصنع فيهم حينئذ شعرا،
                                                              ولا أعلم له في صحبته وروايته غير هذا الخبر.

                                                              وكان قد خرج هو وأخوه بجير بن زهير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغا أبرق العزاف، فقال كعب لبجير: الق هذا الرجل وأنا مقيم [ ص: 1314 ] لك هاهنا. فقدم بجير على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع منه وأسلم، وبلغ ذلك كعبا، فقال :


                                                              ألا أبلغا عني بجيرا رسالة     على أي شيء ويك غيرك دلكا
                                                              على خلق لم تلف أما ولا أبا     عليه ولم تدرك عليه أخا لكا



                                                              فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجل، لم يلف عليه أباه ولا أمه. وفيها:


                                                              شربت بكأس عند آل محمد     وأنهلك المأمون منها وعلكا

                                                              فكتب إليه بجير: أقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنك إن فعلت ذلك قبل منك، وأسقط ما كان منك قبل ذلك فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسلما، ودخل عليه مسجده، وأنشده:


                                                              بانت سعاد فقلبي اليوم متبول

                                                              فلما بلغ إلى قوله :


                                                              إن الرسول لسيف يستضاء به     مهند من سيوف الله مسلول
                                                              أنبئت أن رسول الله أوعدني     والعفو عند رسول الله مأمول



                                                              ومنها:


                                                              في فتية من قريش قال قائلهم     ببطن مكة لما أسلموا زولوا



                                                              [ ص: 1315 ] قال الخليل: أي قال لهم: هاجروا إلى المدينة - فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من معه أن اسمعوا.


                                                              قال أبو عمر رحمة الله عليه: كان كعب بن زهير شاعرا مجودا كثير الشعر، مقدما في طبقته هو وأخوه بجير. وكعب أشعرهما، وأبوهما زهير فوقهما.

                                                              قال خلف الأحمر: لولا قصائد لزهير ما فضلته على ابنه كعب، ولكعب ابن شاعر اسمه عقبة، ولقبه المضرب، لأنه شبب بامرأة، فضربه أخوها بالسيف ضربات كثيرة، فلم يمت، وله ابن أيضا يقال له العوام شاعر.

                                                              وقال الحطيئة لكعب بن زهير: أنتم أهل بيت ينظر إليكم في الشعر، فاذكرني في شعرك، فقال كعب في ذلك شعرا ذكره أهل الأخبار.

                                                              ومما يستجاد لكعب بن زهير قوله :


                                                              لو كنت أعجب من شيء لأعجبني     سعي الفتى وهو مخبوء له القدر
                                                              يسعى الفتى لأمور ليس يدركها     فالنفس واحدة والهم منتشر
                                                              والمرء ما عاش ممدود له أمل     لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر



                                                              ومما يستجاد له أيضا قوله:


                                                              إن كنت لا ترهب ذمي لما     تعرف من صفحي عن الجاهل
                                                              فاخش سكوتي إذ أنا منصت     فيك لمسموع خنى القائل
                                                              فالسامع الذام شريك له     ومطعم المأكول كالآكل
                                                              مقالة السوء إلى أهلها     أسرع من منحدر سائل
                                                              ومن دعا الناس إلى ذمه     ذموه بالحق وبالباطل



                                                              [ ص: 1316 ] في أبيات كثيرة من هذه، وله ولأبيه قبله ضروب من حكم الشعر.

                                                              ومن جيد شعره قصيدته التي يفتخر فيها على مراد أولها :


                                                              أتعرف رسما بين دهمان فالرقم     إلى ذي مراهيط كما خط بالقلم
                                                              عفته رياح الصيف بعدي بمورها     وأندية الجوزاء بالوبل والديم
                                                              ديار التي بتت حبالى وصرمت     وكنت إذا ما الحبل من خلة صرم
                                                              فزعت إلى أدماء حرف كأنما     بأقرابها قار إذا جلدها استحم
                                                              ألا أبلغا هذا المعرض أنه     أيقظان قال القول إذ قال أو حلم
                                                              فإن تسألي الأقوام عني فإنني     أنا ابن أبي سلمى على رغم من رغم
                                                              أنا ابن الذي قد عاش تسعين حجة     فلم يخز يوما في معد ولم يلم
                                                              وأكرمه الأكفاء من كل معشر     كرام فإن كذبتني فاسأل الأمم
                                                              أقول شبيهات بما قال عالما     بهن، ومن يشبه أباه فما ظلم
                                                              فأشبهته من بين من وطئ الحصى     ولم ينتزعني شبه خال ولا ابن عم
                                                              إذ شئت أعلكت الجموع إذا بدت     نواجذ لحييه بأغلظ ما عجم
                                                              أعيرتني عزا قديما وسادة     كراما بنوا لي المجد في باذخ الشمم
                                                              هم الأصل مني حيث كنت وإني     من المزنيين المضيفين للكرم
                                                              [ ص: 1317 ] هم ضربوكم حين جزتم عن الهدى     بأسيافهم حتى استقمتم على أمم
                                                              وساقتك منهم عصبة خندفية     فما لك منها قيد شبر ولا قدم
                                                              هم الأسد عند الناس والحشد في القرى     وهم عند عقد الجار يوفون بالذمم
                                                              هم منعوا سهل الحجاز وحزنه     قديما وهم أجلوا أباك عن الحرم
                                                              متى أدع في أوس وعثمان تأتني     مساعر حرب كلهم سادة وعم
                                                              فكم فيهم من سيد وابن سيد     ومن عامل للخير إن قال أو زعم



                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية