باب حرف الألف 
إبراهيم ابن النبي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،  ولدته أمه مارية القبطية  في ذي الحجة سنة ثمان من الهجرة ، وذكر  الزبير  عن أشياخه أن أم إبراهيم مارية  ولدته بالعالية  في المال الذي يقال له اليوم مشربة أم إبراهيم  بالقف  ، وكانت قابلتها سلمى مولاة النبي صلى الله عليه وسلم امرأة أبي رافع ،  فبشر أبو رافع  به النبي صلى الله عليه وسلم ، فوهب له عبدا ، فلما كان يوم سابعه عق عنه بكبش ، وحلق رأسه ، حلقه أبو هند ،  وسماه يومئذ ، وتصدق بوزن شعره ورقا على المساكين ، وأخذوا شعره فدفنوه في الأرض . 
هكذا قال  الزبير :  سماه يوم سابعه . والحديث المرفوع أصح من قوله وأولى إن شاء الله عز وجل . 
حدثنا  سعيد بن نصر ،  قال : حدثنا  قاسم بن أصبغ ،  قال : حدثنا  محمد بن وضاح ،  قال : حدثنا  أبو بكر بن أبي شيبة ،  حدثنا  شبابة بن سوار  قال : حدثنا  سليمان بن المغيرة  عن ثابت  عن  أنس ،  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم ، قال  الزبير :  ثم دفعه إلى أم سيف ،  امرأة قين بالمدينة  يقال له أبو سيف .  قال  أبو عمر  رضي الله عنه في حديث  أنس :  تصديق ما ذكره  الزبير   [ ص: 55 ] أنه دفعه إلى أم سيف ،  قال  أنس  في حديثه في موت إبراهيم  قال : فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وانطلقت معه ، فصادفنا أبا سيف  ينفخ في كيره ، وقد امتلأ البيت دخانا ، فأسرعت في المشي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهيت إلى أبي سيف ،  فقلت : يا أبا سيف ،  أمسك ، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمسك فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصبي فضمه إليه ، وقال : ما شاء الله أن يقول . قال : فلقد رأيته يكيد بنفسه ، قال : فدمعت عينا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا بك يا إبراهيم  لمحزونون . 
قال  الزبير  أيضا : وتنافست الأنصار فيمن يرضعه ، وأحبوا أن يفرغوا مارية  للنبي صلى الله عليه وسلم ، لما يعلمون من هواه فيها ، وكانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطعة من الضأن ترعى بالقف ،  ولقاح بذي الجدر تروح عليها ، فكانت تؤتى بلبنها كل ليلة فتشرب منه وتسقي ابنها ، فجاءت أم بردة بنت المنذر بن زيد الأنصاري  زوجة البراء بن أوس ،  فكلمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أن ترضعه بلبن ابنها في بني مازن بن النجار  وترجع به إلى أمه ، وأعطى رسول الله صلى الله عليه  [ ص: 56 ] وسلم أم بردة  قطعة من نخل فنا قلت بها إلى مال  عبد الله بن زمعة ،  وتوفي إبراهيم  في بني مازن  عند أم بردة ،  وهو ابن ثمانية عشر شهرا ، وكانت وفاته في ذي الحجة سنة ثمان ، وقيل : بل ولد في ذي الحجة سنة ثمان ، وتوفي سنة عشر ، وغسلته أم بردة ،  وحمل من بيتها على سرير صغير ، وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبقيع ،  وقال : ندفنه عند فرطنا  عثمان بن مظعون .  
وقال  الواقدي :  توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم  يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من ربيع الأول سنة عشر ، ودفن بالبقيع ،  وكانت وفاته في بني مازن  عند أم بردة بنت المنذر  من بني النجار ،  ومات وهو ابن ثمانية عشر شهرا ، وكذلك قال  مصعب الزبيري ،  وهو الذي ذكره  الزبير .  
وقال آخرون : توفي وهو ابن ستة عشر شهرا ، قال محمد بن عبد الله بن مؤمل المخزومي  في تاريخه : ثم دخلت سنة عشر ، ففيها توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،  وكسفت الشمس يومئذ على اثنتي عشرة ساعة من النهار ، وتوفي وهو ابن ستة عشر شهرا وثمانية أيام . وقال غيره : توفي وهو ابن ستة عشر شهرا وستة أيام ، وذلك سنة عشر . 
وأرفع ما فيه ما ذكره  محمد بن إسحاق ،  قال : حدثنا عبد الله بن أبي بكر   [ ص: 57 ] عن  عمرة بنت عبد الرحمن  عن  عائشة  قالت : توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم  وهو ابن ثمانية عشر شهرا . 
قال  أبو عمر :  ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكى على ابنه إبراهيم  دون رفع صوت ، وقال : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون .  
حدثنا  خلف بن قاسم ،  حدثنا الحسن بن رشيق ،  حدثنا  أبو بشر الدولابي  حدثنا إبراهيم بن يعقوب البغدادي ،  حدثنا  عبيد الله بن موسى ،  حدثنا  ابن أبي ليلى  عن عطاء  عن جابر  قال : أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيد  عبد الرحمن بن عوف ،  فأتى به النخل ، فإذا ابنه إبراهيم في حجر أمه ، وهو يكيد بنفسه ، فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره ، ثم قال : يا إبراهيم .  إنا لا نغني عنك من الله شيئا . ثم ذرفت عيناه ، ثم قال : يا إبراهيم ،  لولا أنه أمر حق ، ووعد صدق ، وأن آخرنا سيلحق أولنا لحزنا عليك حزنا هو أشد من هذا ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تبكي العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب . وحدثنا  خلف بن قاسم ،  قال : حدثنا الحسن ،  حدثنا أبو بشر ،  حدثنا  إبراهيم بن يعقوب ،  حدثنا  عفان بن مسلم ،  حدثنا  سليمان بن المغيرة ،  حدثنا ثابت  عن  أنس ،  قال : لقد رأيت إبراهيم  وهو يكيد بنفسه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدمعت عينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  [ ص: 58 ] فقال : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون . ووافق موته كسوف الشمس ، فقال قوم : إن الشمس انكسفت لموته ، فخطبهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر الله عز وجل والصلاة . وقال صلى الله عليه وآله وسلم حين توفي ابنه إبراهيم :  إن له مرضعا في الجنة تتم رضاعه . 
حدثنا سعيد ،  حدثنا  قاسم ،  حدثنا  أبو بكر ،  حدثنا  وكيع  عن  شعبة ،  عن  عدي بن ثابت  قال : سمعت  البراء بن عازب  يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لما مات إبراهيم :   [أما] إن له مرضعا في الجنة . وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكبر أربعا ،  هذا قول جمهور أهل العلم ، وهو الصحيح ، وكذلك قال  الشعبي ،  قال : مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم  وهو ابن ستة عشر شهرا ، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . 
وروى  ابن إسحاق  عن عبد الله بن أبي بكر  عن  عمرة  عن  عائشة  أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دفن ابنه إبراهيم  ولم يصل عليه . وهذا غير صحيح ، والله أعلم ، لأن الجمهور قد أجمعوا على الصلاة على الأطفال إذا استهلوا  وراثة وعملا مستفيضا عن السلف والخلف ، ولا أعلم أحدا جاء عنه غير هذا إلا عن  سمرة بن جندب ،  والله أعلم  [ ص: 59 ]  . 
وقد يحتمل أن يكون معنى حديث  عائشة  أنه لم يصل عليه في جماعة أو أمر أصحابه فصلوا عليه ولم يحضرهم ، فلا يكون مخالفا لما عليه العلماء في ذلك ، وهو أولى ما حمل عليه حديثها ذلك ، والله أعلم . 
وقد قيل إن  الفضل بن العباس  غسل إبراهيم  ونزل في قبره مع  أسامة بن زيد ،  ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس على شفير القبر . 
قال  الزبير :  ورش قبره ، وأعلم فيه بعلامة . قال : وهو أول قبر رش عليه ، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : لو عاش إبراهيم  لأعتقت أخواله ، ولوضعت الجزية عن كل قبطي . وقال صلى الله عليه وآله وسلم : إذا دخلتم مصر  فاستوصوا بالقبط خيرا ، فإن لهم ذمة ورحما . وكانت مارية القبطية  قد أهداها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المقوقس  صاحب الإسكندرية  ومصر هي وأختها سيرين  ، فوهب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيرين  لحسان بن ثابت  الشاعر ، فولدت له  عبد الرحمن بن حسان .  
حدثنا  خلف بن قاسم ،  حدثنا يعقوب بن المبارك أبو يوسف ،  قال : 
حدثنا داود بن إبراهيم ، قال : حدثنا عبد الله بن عمر ، قال حدثنا عمرو بن محمد ، قال : حدثنا  أسباط بن نصر الهمداني  عن  السدي ،  قال : سألت  أنس بن مالك :  كم كان بلغ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟  قال : قد  [ ص: 60 ] كان ملأ مهده ، ولو بقي لكان نبيا ، ولكن لم يكن ليبقى ، لأن نبيكم آخر الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم .  
حدثنا  خلف بن قاسم ،  حدثنا الحسن بن رشيق ،  حدثنا  أبو بشر الدولابي ،  قال : حدثنا  إبراهيم بن يعقوب ،  قال : حدثنا  أحمد بن جناب  قال : حدثنا  عيسى بن يونس  عن  ابن أبي خالد  قال : قلت لابن أبي أوفى :  أرأيت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟  قال : مات وهو صغير ، ولو قدر أن يكون بعد محمد  صلى الله عليه وآله وسلم نبي لعاش ، ولكنه لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم . 
قال  أبو عمر :  هذا لا أدري ما هو؟ وقد ولد نوح  عليه السلام من ليس نبيا ، وكما يلد غير النبي نبيا فكذلك يجوز أن يلد النبي غير نبي والله أعلم . ولو لم يلد النبي إلا نبيا لكان كل واحد نبيا ، لأنه من ولد نوح  عليه السلام ، وذا آدم  نبي مكلم ، وما أعلم في ولده لصلبه نبيا غير شيث .  
حدثنا  خلف بن قاسم ،  قال حدثنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن أحمد ،  قال : حدثنا زكريا بن يحيى السجزي  قال : حدثنا  عمرو بن علي ،  قال  [ ص: 61 ]  . 
حدثنا  أبو داود ،  قال : حدثنا ورقاء  عن ابن أبي نجيح  عن  مجاهد  في قوله عز وجل : ألا بذكر الله تطمئن القلوب   . قال : بمحمد  وأصحابه رضي الله عنهم .  
				
						
						
